الترجمة بين الأسس الأكاديمية والمتطلبات المهنية

الزبير محصول، جامعة غرداية.
نسيبة جحا، جامعة الجزائر 2.
Nassiba DJEHA & Ezzoubeyr Mehassouel
Algiers 2 University

الملخص:

تسلط هذه الدراسة الضوء على طبيعة العلاقة بين الترجمة وواقع التوظيف في الجزائر، أي بين الجانب الأكاديمي والجانب التطبيقي الواقعي للترجمة، وقد أسفرت النتائج المتمخضة عن استمارة استبيان وجهت إلى عينة عشوائية من خريجي مختلف أقسام ومعاهد الترجمة في الجزائر عن وجود قطيعة كبيرة بين التكوين وواقع التوظيف في هذا التخصص ومردّ ذلك هو عوامل عدة تعلق بعضها بطبيعة التكوين وبعضها الآخر بخصوصية التوظيف، وهو ما يستوجب التدخل الجاد والعاجل من أجل رأب هذا الصدع الذي يجعل من حصول المتخرجين على وظيفة في المجال أمرا صعب المنال بالنظر إلى اختلال التوازن بين أعدادهم سنويا وبين معطيات سوق الشغل ومتطلباته والتي تخضع لمعايير تكتسي نوعا من التغير وعدم الثبات.

الكلمات المفتاحية: الترجمة، سوق الشغل، خريجي الجامعة، التكوين.

Abstract:

This study sheds light on the relation between translation and employment in Algeria; it means between the academic and the practical aspects of translation. The Results of the survey used in this study and addressed to a random sample of university graduates from different departments of translation in Algeria, have revealed a significant mismatch between the translation training and the reality of employment in Algeria, due to many factors related to the nature of training programs, on one hand, and to the specificity of the labor market, on the other hand. Hence, many actions must be taken in order to bridge the gap between translation training and the labor market needs in Algeria.

Key words: translation, labor market, university graduates, training.

مقدمة:

يلعب التعليم بشكل عام والتعليم العالي بشكل خاص دورا أساسيا في تحقيق التنمية المستدامة والنهوض بالمجتمع، لذلك أولت الدول المتقدمة أهمية كبيرة لمراكز التكوين خاصة المؤسسات الجامعية من أجل تمكينها من تأدية هذا الدور على أكمل وجه، من خلال منحها كل المساعدات المادية والبشرية، ذلك أن المؤسسات الجامعية هي بمثابة القلب النابض للمجتمعات. وقد أدركت الدول النامية على غرار الجزائر هذه الأهمية وسارعت إلى تدارك التأخر الذي شهدته في هذا الميدان عن طريق إنشاء العديد من الجامعات والمراكز الجامعية، وتخريج الآلاف من الطلبة سنويا مما مكنها من الحصول على ثروة هائلة من رأس المال البشري.

وعلى الرغم من أهمية المكانة التي تحتلها الجامعة في عملية التنمية والنهوض بالاقتصاد الوطني، إلا أن الدور الذي تلعبه المؤسسات الجامعية لا يحقق هدفه المنشود إلا إذا كان هناك توافق وانسجام بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق الشغل. ويؤدي غياب الانسجام بين مخرجات التعليم العالي وسوق الشغل إلى ارتفاع نسبة البطالة في صفوف المتخرجين، وهو الأمر الذي ينطبق على الجزائر التي تشهد ارتفاعا في نسبة البطالة بسبب ارتفاع عدد الطلبة المتخرجين من جهة وعجز سوق الشغل عن استيعاب هذا الكم الهائل من الطلبة المتخرجين من جهة أخرى. وسنحاول من خلال هذه الدراسة التطرق إلى واقع تخصص الترجمة في الجزائر وعلاقته بسوق الشغل وذلك من خلال الإجابة عن الإشكالية التالية: ماهي العلاقة بين مخرجات التعليم العالي في تخصص الترجمة ومتطلبات سوق الشغل في الجزائر ؟

1. العلاقة بين الجامعة والمجتمع:

تعتبر الجامعة بمثابة ينبوع العلم الذي ينهل منه مختلف العلوم والمعارف في شتى المجالات، حيث تلعب دورا هاما في تطوير مهارات الأفراد وتلقينهم مختلف المعارف والتقنيات التي من شأنها أن تساهم في إلحاق المجتمع بركب التطور والتقدم. وتعرف الجامعة بأنها مؤسسة تعليمية ومركز للإشعاع الثقافي ونظاما ديناميكيا متفاعل العناصر، تنطبق عليه مواصفات المجتمع البشري حيث يؤثر مجتمع الجامعة في الظروف المحيطة ويتأثر بها في نفس الوقت” )دليو.ف وآخرون، 2006: 78).

وتقوم الجامعة، عن طريق مختلف كلياتها ومخابرها والمرافق التابعة لها، بدراسة مختلف التحديات والمشاكل التي تواجه المجتمع، وإيجاد الحلول الناجعة لها. كما أن هذه الدراسات لا تعنى فقط بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الحالية، بل إنها تقوم أيضا بدراسة تنبؤية واستشرافية للمشاكل التي قد تواجه المجتمع في المستقبل. وتتجلى الخدمة التي تقدمها الجامعة للمجتمع فيأن تقوم بنشر وإشاعة الفكر العلمي المرتبط ببيئة الكليات، وتقوم بتبصير الرأي العام بما يجري في مجال التعليم فكر أو ممارسة، وعليها أيضا أن تقوم بتقويم مؤسسات المجتمع وتقدم المقترحات لحل قضاياه ومشكلاته وتدلي بتصورات وبدائل وأيضا تثير وتشيع فكرا تربويا داخل المجتمع” (حامد.ع،1996). وعليه فإن وظيفة الجامعة تتمثل في التعليم والبحث العلمي في سبيل خدمة المجتمع فالجامعات لا تعبر عن شرف أكاديمي أو مادي، وإنما الداعي لوجودها هو حاجة المجتمع لها” (صخري.ع، 1991:168).

ومن بين أكبر ما يعاني منه قطاع التعليم العالي في الدول النامية على غرار الجزائر هو الابتعاد عن المجتمع وعدم الاهتمام به، حيث ينبغي على الجامعات ومؤسسات التعليم العالي في هذا الدور أن تستنبط نظاما داخليا يواجه المطالب الجديدة للمجتمع” (حموي.م.ن، 1978: 203).

2. العلاقة بين الجامعة وسوق الشغل:

لكي تلعب الجامعة دورا محوريا في عملية التنمية في المجتمع، فإنه يجب عليها أن تضع سياسات واستراتيجيات محكمة من أجل تمتين علاقتها بعالم الشغل وبالمؤسسات الاقتصادية في مختلف القطاعات. كما أنه على صناع القرار اعتماد سياسات تشغيل محكمة من أجل وضع حد لمشكلة البطالة التي تطال معظم مخرجات التعليم العالي. ويقصد بسياسات التشغيل إستراتيجية العمل السائدة في بلد معين والأفكار الاقتصادية والاجتماعية التي تنبعث منها والمبادئ التي تستند إليها والأهداف التي ترمي إليها والتي ترتكز في الأساس على تشغيل السكان القادرين على العمل بإحداث مناصب العمل، على نطاق واسع بحيث يمكن القضاء على البطالة والعمل الجزئي مع الأخذ بعين الاعتبار التوسع باتجاه قطاع التكوين أي البحث عن التطابق بين سياسة التشغيل وعملية التكوين” (سلاطنية.ب، 1997 :67).

ومن بين أكبر التحديات التي تواجه المجتمعات والاقتصاديات، سواء في الدول المتطورة أو النامية، هي عدم مواءمة مخرجات التعليم العالي مع احتياجات سوق الشغل، فالمهارات والمؤهلات التي يتمتع بها خريجو الجامعات لا تتوافق مع ما تحتاجه مختلف المؤسسات والشركات الاقتصادية وهو الأمر الذي أحدث خللا في معادلة سوق الشغل مما شكل تهديدا للتطور الاقتصادي بها.

Skills mismatches occur when workers have either fewer or more skills than jobs require. Some mismatch is inevitable, as the labor market involves complex decisions by employers and workers and depends on many external factors. But high and persistent skills mismatch is costly for employers, workers and society at large (world economic forum, 2014:4)

تنتج عدم المواءمة في المهارات عندما يتمتع الموظفين بمهارات أكبر أو أقل مما تتطلبه الوظيفة، حيث أن عدم المواءمة هذه تكون في بعض الحالات حتمية، ذلك أن سوق الشغل يحمل في طياته قرارات معقدة من طرف العمال وأرباب العمل ويخضع لعدة عوامل خارجية. إلا أن النسبة العالية والدائمة لعدم المواءمة في المهارات تؤثر على أرباب العمل والعمال والمجتمع ككلترجمتنا.

ويؤدي عدم المواءمة بين مخرجات التعليم العالي واحتياجات سوق الشغل إلى قيام الأول بتخريج عدد كبير من الطلبة في مختلف التخصصات وتوجيههم إلى سوق للعمل، وعجز هذا الأخير عن استيعاب هذا الكم الهائل من الخريجين، مما يؤدي بهم إلى مواجهة شبح البطالة الذي يطال العديد من الاقتصاديات النامية، خاصة إذا كان التطور الاقتصادي لا يسير بنفس وتيرة تطور عدد الطلبة المتخرجين من الجامعات. ويؤدي هذا إلى ارتفاع نسبة البطالة من جهة، والبطالة المقننة من جهة أخرى، التي لا تعود بالنفع على الاقتصاد، والتي تؤدي الى شغل المتخرجين لوظائف لا ترقى إلى مستوى مؤهلاتهم ومعارفهم، وهو ما يؤدي إلى نقص المردودية والربح لدى المؤسسات الاقتصادية.

وعليه فالعبرة ليست بعدد المتخرجين من الجامعات بل إن الجامعة الأكثر قبولا وفعالية هي التي تقدم التخصصات التي يحتاجها المجتمع ويتطلبها سوق الشغل، وذلك من خلال الربط بين هاذين الجانبين خلال العملية التكوينية في الجامعة وتقريب الطلبة من عالم الشغل عن طريق تنظيم دورات تكوينية للطلاب في المؤسسات الاقتصادية لتسهيل انتقالهم من الجامعة إلى عالم الشغل.

3. واقع عالم الشغل في الجزائر:

يخضع سوق الشغل في الجزائر، وكغيره من الأسواق الاقتصادية الأخرى إلى معياري العرض والطلب ويقصد بسوق الشغل ذلك المكان المسؤول عن توزيع العمال على مختلف الوظائف والتنسيق بين قرارات التوظيف(إيرنبرج.ر و سميث.ر،1998:36).

وقد شهد سوق الشغل في الجزائر مراحل عديدة، حيث تميز في الفترة الممتدة من النصف الثاني لسنوات الثمانينيات إلى غاية سنة 1999 بارتفاع كبير في معدلات البطالة التي وصلت نسبتها إلى 30%، خاصة بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية بسبب الأزمة الأمنية التي عاشتها الجزائر، وانخفاض أسعار البترول، ونقص الاستثمارات الأجنبية، وغلق العديد من المؤسسات وتسريح الآلاف من العمال بسبب برنامج التصحيح الهيكلي المفروض من طرف صندوق النقد الدولي.

وقد دفعت معدلات البطالة المرتفعة الحكومة إلى انتهاج سياسات وإصلاحات اقتصادية، تزامنت مع رجوع الأمن والاستقرار في الجزائر، سواء من خلال الاستثمار المباشر للدولة أو استثمار القطاع الخاص الوطني والأجنبي، مما أدى إلى تراجع نسبة البطالة إلى 17.7%. كما ساهمت المستويات القياسية التي وصلت إليها أسعار البترول منذ سنة 2000 إلى غاية سنة 2014، إلى قيام الدولة بفتح آلاف مناصب الشغل من أجل امتصاص مخرجات التعليم العالي والتقليل من البطالة، إلا أن هذه الأخيرة ما تزال قائمة.

وعلى الرغم من المجهودات التي بذلتها الحكومة وقيامها بفتح مؤسسات تعنى بتوظيف الشباب ومساعدتهم على الولوج إلى سوق الشغل، كالوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب، والوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر، وبرنامج عقود ما قبل التشغيل، ومنح قروض للشباب من أجل إنشاء مشاريع استثمارية خاصة بهم، إلا أن هذه السياسة لم تجدي نفعا خاصة مع الكم الهائل للطلبة المتخرجين من الجامعات، حيث بلغ عدد الطلبة المسجلين في الجامعة من” 820664 طالب خلال سنة 2006/2007 إلى 1034313 طالب سنة 2009/2010، كما قفز عدد الطلبة المتخرجين من 121905 سنة 2006/2007 إلى 150114 سنة 2008/2009.” (موقع الديوان الوطني للإحصائيات2017، www.ons.dz/IMG/pdf/Eleve_inscrit2006-2010.pdf).

وترجع أسباب اختلال التوازن بين مخرجات الجامعة وسوق الشغل في الجزائر إلى ما يلي:

  • تغليب سياسة الكم على الكيف: حيث تخرج مراكز التكوين في الجزائر انطلاقا من مراكز التكوين المهني إلى المؤسسات الجامعية الآلاف من الطلبة إلى سوق الشغل، إلا أن هذه الأخيرة تقف عاجزة على استيعاب هذا الكم الهائل من المتخرجين مما يؤدي بهم إلى شغل وظائف في غير مجالات اختصاصهم. (قصاب.س،55:2006).

  • عدم التنسيق بين احتياجات المؤسسات الاقتصادية ومخرجات مراكز التكوين أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة لدى المتخرجين.

  • انتشار ظاهرة التسرب المدرسي: تعتبر ظاهرة التسرب المدرسي واحدة من بين المشاكل التي يعاني منها قطاع التعليم في الجزائر، حيث أن نسبة كبيرة من المتسربين من المدرسة يلجأون إلى سوق الشغل غير الرسمي خاصة في ظل غياب المؤهلات العلمية التي تمكنهم من الولوج إلى عالم الشغل المهيكل. (قميحة.ن،61:2014).

ونظرا للكم الهائل لأعداد الطلبة المتخرجين، عجز الاقتصاد الوطني عن امتصاص مخرجات التعليم العالي، خاصة وأنه في الوقت الذي يتوجه فيه الاقتصاد الوطني إلى الانفتاح والعصرنة، يشكل طلبة التخصصات الأدبية والعلوم الإنسانية القسط الأكبر من الطلبة المتخرجين، وهو ما لا يتماشى مع ما يحتاجه سوق الشغل في الجزائر من مؤهلات ومهارات في تخصصات علمية وتطبيقية، ونظرًا لعدم توافر إحصائيات دقيقة عن تخصصات إعداد الخريجين، فإنه يمكننا قياسًا على نسب التسجيل في الفروع الأدبية والعلمية والفنية أن نقول إن الغالبية العظمى أو النسب الكبيرة من الأعداد قد تخرجت من الكليات النظرية، فقد تصل هذه النسبة بالتقريب إلى حوالي 70 % من مجموع الخريجين.” (خالدي.م وآخرون، 2010 : 36).

وعلى الرغم من عدم التوازن بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق الشغل في الجزائر إلا أن هذا الأخير يبقى تحت رحمة أسعار البترول التي يعتمد عليها الاقتصاد الوطني بنسبة 90%، فكلما ارتفعت أسعار البترول كلما انتعشت عروض العمل خاصة في القطاع العام، وكلما انخفضت أسعار البترول كلما عرف سوق الشغل تراجعا وانكماشا كبيرا، وهو ما دفع بالحكومة، بداية من سنة 2016 إلى تطبيق سياسة التقشف، التي نتج عنها توقيف التوظيف في العديد من القطاعات. ومن أجل التخلص من التبعية لعائدات البترول، وجب البحث عن بدائل اقتصادية أخرى من أجل تنويع الاقتصاد والبحث عن مصادر أخرى للدخل، وهو ما من شأنه أن يساهم بشكل كبير في إنعاش سوق الشغل في الجزائر.

4. واقع الترجمة في الجزائر:

تعيش الترجمة في الجزائر وضعا حرجا سواء من ناحية التكوين الأكاديمي أو من ناحية فرص العمل المتاحة للطلبة المتخرجين. فمن ناحية التكوين الأكاديمي في الترجمة، فانه على الرغم من وجود العديد من أقسام الترجمة على مستوى الجامعات الجزائرية، إلا أن هذه الأخيرة عجزت عن الارتقاء بالترجمة وهذا ما أدى بالحكومة إلى إلغاء التخصص من قائمة الرغبات بالنسبة لحاملي شهادة البكالوريا خلال سنة 2010/2011، ثم إعادة فتح مشاريع ماستر في الترجمة في بعض جامعات الوطن شريطة أن يكون المترشح متحصلا على شهادة الليسانس سواء في الترجمة أو في اللغة العربية أو الفرنسية أو الانجليزية. إلا أن هذه الإستراتيجية التي كانت تهدف إلى النهوض بالترجمة في الجزائر، لم تعطي ثمارها لأنها أدت إلى تشكيل أقسام غير متجانسة لطلبة من تخصصات مختلفة وبمهارات لغوية متفاوتة، وفي محاولة لتدارك هذا الخلل تم فتح مشروع ليسانسماستردكتوراه بتسجيل وطني في جامعة الجزائر2 خلال السنة الجامعية 2016/2017.

كما أنه على الرغم من الجهود التي يبذلها المعهد العربي العالي للترجمة بالجزائر العاصمة، والذي تم تأسيسه سنة 2004 تحت لواء جامعة الدول العربية، في سبيل النهوض بالترجمة في الجزائر، إلا أن هذا التخصص لا يزال يعاني من التأخر مقارنة ببعض الدول العربية الأخرى كلبنان ومصر وغيرها. ولكن هذا لا ينفي وجود بعض الأسماء البارزة التي تركت لمستها في مجال الترجمة من خلال ترجمة العديد من الأعمال الأدبية والعلمية كالدكتورة إنعام بيوض، ود.محمد ساري، ود.حسين خمري، ود.سعيد طاجين وغيرهم.

أما من ناحية فرص العمل المتاحة لخريجي أقسام الترجمة، وعلى الرغم من عدم توفرنا على إحصائيات حول عدد الطلبة المتخرجين في هذا التخصص، إلا أن سوق الشغل في الجزائر لا تعتبر سوقا واعدة بالنسبة لخريجي أقسام الترجمة، خاصة مع محدودية وظائف الترجمة سواء في القطاع العام أو الخاص من جهة، ومن جهة أخرى عدم فتح مسابقات المترجم الترجمان الرسمي المنظمة من طرف وزارة العدل منذ عدة سنوات، والتي تخول لطلبة الترجمة الحصول على الاعتماد من طرف الوزارة الوصية من أجل ممارسة المهنة بشكل رسمي. وبين هذا وذاك يبقى قطاع التربية والتعليم تقريبا المتنفس الوحيد لخريجي أقسام الترجمة في الجزائر.

5. نتائج الاستبيان:

اخترنا في الجانب التطبيقي لهذه الدراسة،عينة عشوائية تتكون من 141 فردا من خريجي أقسام الترجمة في مختلف الجامعات الجزائرية، وقد جاء اختيارنا لهذا النوع من العينات تحديدا لكونها تعبر عن مجتمع بحث واسع من جهة، وكذا من أجل الحصول على نتائج تمثل الواقع الذي تعيشه الترجمة في الجزائر من وجهة نظر الطلبة المتخرجين.

وقد تضمن الاستبيان عدة جوانب كالمعلومات الشخصية والتكوين الجامعي والمقررات الدراسية في الترجمة، وكذا العلاقة بين عمليتي التوظيف والتكوين في الترجمة في الجزائر على التوالي. وقد جاءت النتائج كما يلي:

5.1 أغلب أفراد العينة (70%) حاصلون على شهادة الليسانس والماستر مقارنة بالماجستير والدكتوراه الذين وردا بنسب قليلة بالنظر إلى النظام المتبع في التعليم العالي بالجزائر والموزع على طلبة النظام الكلاسيكي ونظام ل.م.د على مختلف الجامعات والمعاهد التي توفر التكوين في الترجمة.

5.2 يرى معظم المبحوثين (68%) بأن مقررات الترجمة المقترحة في الجامعات الجزائرية بشكل عام ليست ذات نوعية تسمح لهم باقتحام عالم الشغل كونها بعيدة عن متطلبات سوق الشغل مما يجعلهم يصطدمون بواقع الهوة الموجودة بين ما تلقّوه في تكوينهم وما يطلب منهم إنجازه داخل المؤسسة أو الهيئة التي يعملون لحسابها، وبالتالي فهم يقترحون تحيين البرامج وتحسينها لتتوافق مع المتطلبات المهنية.

5.3 تخرج أغلب المبحوثين حديثا وذلك خلال السنوات الثلاث الأخيرة وحصل غالبيتهم (63%) على وظيفة في مدة لم تتجاوز السنتين وقد يكون ذلك بالاستفادة من برامج التوظيف التي اقترحتها الهيئات المسؤولة عن التوظيف في الجزائر.

5.4 تتفاوت مجالات عمل المبحوثين بين مختلف مجالات العالم المهني بين التعليم والإدارات والمؤسسات الاقتصادية والخدماتية، إلا أنها في أغلبها (70%) ليست في الترجمة وإنما في مجال آخر، وهو الأمر الذي يعكس نوعية العلاقة بين التوظيف والترجمة في الجزائر.

5.5 لم يلتحق غالبية المبحوثين (67%) بدورات تدريبية قبل الولوج إلى عالم الشغل، إلا أن القلة التي خضعت لهذا النوع من التدريب، لم تستفد في معظمها مما وفّره من أجل العمل.

5.6 ترى نسبة معتبرة من خريجي الترجمة في الجزائر (61%) أن سوق الشغل في تخصص الترجمة هي سوق راكدة بل أنها في وضع صعب، ولاتزال في حاجة إلى جهود جادة للنهوض به وإنعاشه، ولن يكون هذا الأمر ممكنا إلا إذا تظافرت جهود المعنيين في المجال الأكاديمي والمهني. ويتفق أغلب المبحوثين على أن الاهتمام بهذا المجال وبالمترجمين على حد سواء يكاد يكون منعدما.

خاتمة:

إن المجتمع نسيج متكامل بين مختلف الجوانب بما فيها الجوانب العلمية والعملية كما هو الحال بالنسبة للجامعة والعالم المهني، فلا يعمل كل مجال على حدة إنما هي سلسلة يتطلب وجود إحداها وجود الأخرى حتى تحقق أكبر قدر من الفائدة لصالح الأفراد. وقد كان المثال الذي تطرقنا إليه في هذه الدراسة والمتمثل في العلاقة بين تخصص الترجمة وسوق الشغل في الجزائر من وجهة نظر الخريجين من مختلف جامعات الوطن دليلا على وجود شرخ بين التكوين الأكاديمي ومتطلبات العالم المهني، فطالب الترجمة يجد صعوبة بالدرجة الأولى في إيجاد منصب عمل وإثبات كفاءاته في إطار معارفه التي اكتسبها، وحتى وإن كان له ذلك فلن يكون في تخصصه وإنما في تخصصات أخرى تتطلب منه مجهودات إضافية وقد تبعده نوعا ما عن الترجمة كما أسفرت عنه نتائج الاستبيان.

مما سبق، نستشف بأن الترجمة في الجزائر في حاجة أولا وقبل كل شيء إلى ميكانيزمات فعالة تنظمها وتعمل على الموازنة بين عدد المتخرجين وبين متطلبات سوق الشغل وتحديدا الترجمة المتخصصة التي تشهد رواجا في السوق، وذلك من خلال عقد شراكات بين أقسام الترجمة والمؤسسات الاقتصادية، من أجل تمكين طلبة الترجمة بالاحتكاك بسوق الشغل خلال فترة تكوينهم وكذا تحسين البرامج والمناهج التكوينية في هذا التخصص بما يتماشى مع ما يتطلبه سوق الشغل.

قائمة المراجع المعتمدة:

سلاطنية.ب (1997)، التكوين المهني وسياسة التشغيل، أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع، قسم علم الاجتماع، جامعة منتوري قسنطينة، الجزائر.

حامد.ع (1996) دور كليات التربية في خدمة المجتمع وتنمية البيئة، المؤتمر السنوي الثالث عشر لقسم أصول التربية، جامعة المنصورة.

إيرنبرج.ر و سميث.ر (1998) اقتصاديات العمل، ترجمة فريد بشير طاهر، دار المريخ، الرياض.

صخري.ع (1991)، التحليل الاقتصادي الكلي، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر .

دليو.ف وآخرون (2006) المشاركة الديمقراطية في تسيير الجامعة، مخبر علم الاجتماع والاتصال، مطبوعات جامعة منتوري، قسنطينة.

قصاب.س (2006) اختلالات سوق الشغل وفعالية سياسات التشغيل في الجزائر، أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه دولة في العلوم الاقتصادية، قسم العلوم الاقتصادية، جامعة الجزائر.

قميحة.ن (2014) سياسات التشغيل في الجزائر في ظل برامج التنمية 2001-2012، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية تخصص التنظيم والسياسات العامة، قسم العلوم السياسية، جامعة مولود معمري –تيزي وزوالجزائر.

خالدي.م وآخرون،(2010) إشكالیة الفجوة بین مخرجات التعلیم الجامعي وسوق العمل في الجزائر، الملتقى الوطني الأول حول تقویم دور الجامعة الجزائریة في الاستجابة لمتطلبات سوق الشغل ومواكبة تطلعات التنمیة المحلیة، جامعة زیان عاشور،الجلفة، الجزائر.

حموي.م.ن (1978) تلخيص لكتاب التعليم العالي والنظام الدولي الجديد، الصادر عن المعهد الدولي للتخطيط التربوي التابع لمنظمة اليونسكو، منشورات مكتب التربية العربي لدول الخليج.

موقع الديوان الوطني للإحصائيات {2017،www.ons.dz/IMG/pdf/Eleve_inscrit2006-2010.pdf}، تاريخ الاطلاع 01/04/2017.

World Economic Forum 2014, Global Agenda Council on Employment, Matching skills and labor market needs, Switzerland.