تعليمية اللغة العربية بين متطلبات الدرس النظري وتطلعات سوق العمل

Didactic Arabic between the requirements of the theoretical lesson and the aspirations of the labor market

يحي باي يوسف
جامعة وهران1 -أحمد بن بلة-

Yahia bey Youcef
University of Oran 1 – Ahmed Ben Bella

Abstract:
Language is a means of communication between individuals, and a tool for the transfer of science and development, and a mediator to express what one resents and thinks. It is an index of development and Civilization of peoples and nations, and a component of the identity of individuals and communities to which we belong.
Countries are struggling to determine their sovereignty and highlight their position among their peers, maintaining their identity and the development of their economy. It also aims to achieve a strong and independent economy and social cohesion, among Challenges posed by globalization, major global policies and regimes.
Among these interactions and challenges is the problem of the relationship between the didactics of the Arabic language and the labor market.

تعتبر اللغة وسيلة للتواصل بين الأفراد، وأداة لنقل العلوم وتطويرها، ووسيطا للتفكير والتعبير عما يخالج الوجدان، كما أنها مؤشر لمدى التطور الحضاري لدى الشعوب والأمم، ومقوم من مقومات الهوية لدى الأفراد والمجتمعات التي ننتمي إليها.

وتسعى الدول جاهدة لتقرير سيادتها وإبراز مكانتها بين نظيراتها، من خلال الحفاظ على هويتها وتنمية اقتصادها؛ حتى تدفع عن كاهلها شبح التبعية بمختلف تجلياتها وأشكالها الظاهرة منها والخفية.

كما تسعى أيضا إلى تحقيق اقتصاد مستقل وقوي، ومجتمع متماسك، في خضم التحديات التي تفرضها العولمة، وكبرى السياسات والأنظمة العالمية.

بين هذه التجاذبات والتحديات تطرح قضية اللغة – عموما واللغة العربية على وجه الخصوص- نفسها من حيث علاقاتها بقضايا الاقتصاد.

هذا الواقع الذي يدفعنا حثيثا إلى عرض إشكالية تموقع اللغة العربية، ومدى استجابتها لحتميات سوق التشغيل، إلى جانب المناهج والطرائق التدريسية الحاضنة لثنائية التعليم والتعلم؛ بهدف تحقيق تلك المتطلبات، بالإضافة إلى حتمية الدرس النظري الكلاسيكي، الذي قد يبدو من أول وهلة أنه لا يتناغم مع هذا الواقع الذي يمليه سوق العمل.

دوافع تعلم اللغة العربية:

يمكن للناظر أن يحصر الدوافع الذاتية، والموضوعية لتعلم اللغة العربية والتمكن من فنونها ضمن العناصر الآتية:

دوافع الانتماء الجغرافي:

فالإنسان ابن بيئته الجغرافية، أين نجد انتشار اللغة العربية من حدود المحيط الهندي شرقا، إلى المحيط الأطلسي غربا، ومن الشمال الإفريقي امتدادا على طول الشريط الساحلي لشواطئ البحر الأبيض المتوسط، وشمالي شبه الجزيرة العربية على طول الحدود العراقية والسورية، وإلى أعماق الصحراء الكبرى جنوبا.

الدوافع الدينية:

نزل القرءان الكريم بلسان عربي مبين، على قلب خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، وشرعت للناس الأحكام، وقررت لهم العقائد باللغة العربية التي تكلم بها سكان شبه الجزيرة العربية؛ فكان من أدعى الأسباب لتعلمها فهم الكتاب المنزل، ومعرفة الأحكام الشرعية، والعقائد السماوية، قصدا للعلم بها وتطبيقها، والدعوة إليها.

دوافع الانتماء العرقي:

فدافع الدم من أقوى الأسباب التي تجعل الفرد ينحو إلى تعلم لغته.

الدافع الاقتصادي:

من الأغراض التي تجعل البعض يسعى إلى تحصيل اللغة العربية، وتعميق معارفه بها، هي تلك التي تمت بالصلة لحقيق مكتسبات ذات طبيعة اقتصادية، كالحصول على وظيفة أو ترقية تتطلب معرفة باللغة العربية، هذا في دائرة المصلحة الفردية، أما في دائرة المصلحة العامة فتقوم الدول على إرساء سياسات واستراتيجيات، وتعمل على تكريسها عبر عمليات التكوين في اللغة العربية، من خلال برامج بيداغوجية تطبق على مستويات متكاملة ومتتابعة، الأصل فيها أن تكون ملائمة ومتماشية مع حاجات ومتطلبات سوق العمل.

الدافع الثقافي:

إن السعي وراء توسيع الدائرة المعرفية والثقافية لدى البعض قد يكون دافعا له لتعلم اللغة العربية وصقل مهاراته فيها.

يرتكز أساس التعليمية اللغوية على حيوية التدريس اللغوي، وتكوين الملكات الأساسية بهدف استثمارها في شتى المجالات التي تقتضي تواصلا لغويا على اختلاف مستوياته: السمعية، والتعبيرية، والمقروءة.

ومن المجالات التي تعنى المناهج البيداغوجية والسبل التدريسية مواكبتها: سوق العمل، الذي يستدعي من المتخصصين في تسطير المناهج ووضع برامج وطرائق التدريس القيام بخطوتين أساسيتين هما:

المراقبة المستمرة:

على معنى أن يتحلى المتخصصون بروح الاطلاع على التغيرات السريعة والمختلفة في عالم الشغل ومتطلباته؛ حتى يتسنى لهم القيام بتحيين ملائم قائم على واقع مدروس.

النظرة الاستشرافية:

وهي من أهم الوسائل التقديرية المبنية على تراكم الخبرات، والمعرفة الواسعة في ميدان مناهج وطرائق التدريس من جهة، والإحاطة التامة بالتطورات الطارئة في عالم الشغل والتشغيل من جهة أخرى.

والغرض من هاتين العمليتين هو إحداث تحيينات دورية، وتكييفات ملائمة، تسمح للمتكون من الاندماج في عالم الشغل بسرعة وسهولة، كما تسمح للمؤسسة سد حاجاتها وتلبية تطلعاتها في توظيف إطارات ذوي مهارات لغوية عالية، تستجيب لطبيعة نشاط المؤسسة، وقابلة لمسايرة التطورات التي تفرضها المتغيرات الخارجية والداخلية، (في عصر تقلصت فيه الحدود وانكمشت فيه المسافات والأزمان، الأمر الذي قد يزيد من صعوبة المنافسة ما لم تتوافر المرونة والكفاءة)(1) .

ولإدراك هذه الغاية المنشودة لا بد من إحداث إصلاحات في المناهج البيداغوجية والطرق التعليمية، وتكوين القائمين على تعليمها وتوجيههم؛ للتخلص من تلك الدروس والمناهج التي أكل عليها الدهر وشرب، والرامية إلى تعليم اللغة العربية باعتبارها ألفاظا مفردة تحفظ، وقواعد مجردة تلقن، مع قطع صلتها عن واقع العقل والنفس والحياة(2).

ما اللغة إلا وسيط تتمثل فيه الأفكار والآراء، فالإنسان يفكر بلفظ، ويلفظ بفكر، هذا التلازم هو الذي يجعل من العربي إذا تعلم لغة أجنبية وأراد التعبير عنها، فكر بلغته الأصيلة، ثم ترجمها إلى اللغة الأجنبية(3).

فإذا رمنا إلى تكوين نوعي في اللغة العربية وجب علينا مباشرة إصلاحات تهدف إلى وصل فكر المتعلم بالعربية الفصحى في جميع أطوار تعلمه، فيسمع بها ما يلقى عليه، ويكتب ويعبر بها عن أفكاره.

ومن الغايات التي يجب مراعاتها والتخطيط لبلوغها في خضم هذه الإصلاحات:

ربط الفكر باللغة.

وبعث اللذة من تذوق الأدب.

وإنشاء القدرة على القراءة والكتابة(4).

إن واقع سوق العمل يوجب على المقبل عليه إبراز مهارات في اللغات الأجنبية أملتها هيمنة كبرى الدول والتكتلات الاقتصادية في العالم، أين انعكست مظاهر هيمنتها على المصطلحات الموظفة في التواصل الرسمي وغير الرسمي، وفي تحرير الوثائق والمراسلات الرسمية، والبرمجيات الحاسوبية، وطال هذا الاكتساح شبكة الإنترنت التي سخرت هي الأخرى كوسيط لتحقيق الأهداف التي ترمي إليها المؤسسة.

ومن الطبيعي أن تأخذ تلك الهيمنة نطاقا واسعا في القطاع الخاص المتأثر بانعكاسات العولمة الاقتصادية، في حين أننا لا نلامس جهودا مبذولة لإدراج القاموس العربي في الخطابات التي تتعامل بها المؤسسات المنتمية لهذا القطاع، إذا أقصينا بعض المهن ذات الطابع العلمي، والثقافي، أو القانوني، كمهنة المحاماة، ودور النشر أو الصحافة الخاصة على سبيل المثال.

في مقابل هذا الاتجاه المفروض – بطريقة أو بأخرى- على القطاع الخاص، نجد أن القطاع العام يسعى نحو توسيع نطاق استعمال اللغة العربية عن طريق إصدار تشريعات تهدف إلى تعميم استعمالها في الوثائق الرسمية على غرار قانون تعميم اللغة العربية بالجزائر (5)، والذي من شأنه أن يكون له تأثيرا مهما في تحفيز القطاع الخاص فضلا عن العام من حيث تكريس اللغة العربية وسيلة للتواصل الرسمي بين الإدارة والمؤسسات العامة والخاصة.

في هذا الإطار ولنأخذ الجزائر عينة على هذا، فلقد تم إدراج مقياس اللغة العربية في مسابقات وامتحانات التوظيف لبعض الرتب بهدف قياس مهارات المرشحين اللغوية من حيث الألفاظ والأسلوب والقدرة على التعبير، من خلال اختبارات تشمل دراسة لنص مقترح، واستخلاص أفكاره، ثم تطبيق قواعد اللغة والنحو عليه، و اختبارا في الثقافة العامة والتحرير الإداري لقياس الحدود المعرفية من حيث المصطلحات الموظفة والدقة في التعبير.

وبعد أن يشق المرشح طريقه نحو الوظيفة، يجد هذا الأخير نفسه مجبرا لاجتياز امتحانات أخرى – قصد الارتقاء لرتب أعلى- لها نفس الصبغة السابقة، مع ضرورة اجتياز دورات تكوينية ذات طابع تخصصي إلى جانب التركيز على مادة التحرير الإداري(6).

بعد هذا العرض الموجز لأهم المحاور التي تلتقي فيها معضلة تواؤم تعليمية اللغة العربية مع متطلبات سوق العمل، لا يبقى إلا التنويه على ضرورة ترقية هذه اللغة من مجرد لغة تعلم وتعليم ذات حيز زماني ومكاني محدود، لا تكاد تخرج عنهما، إلى نمط في الحياة ينصهر في روح الأفراد وسلوكهم وتفكيرهم، وذلك من خلال إخراجها من ذلك الحيز عن طريق تعميم استعمالها: مفردات، وأسلوبا، وأدبا … لتشمل جميع المظاهر الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والعلمية.