الجامعة وسوق العمل بالجزائر مقاربة سوسيو – أمبريقية

Dr. Bououchma El Hadi
University Center in Tamanghasset
Dr. KIME Sabiha
University of Mostaganem

ملخص:

البحث هذا حاولنا من خلاله مقاربة إشكالية العلاقة بين الجامعية الجزائرية وسوق العمل، وكان ذلك من خلال عمل ميداني استهدف عينة قصدية شملت 110 طالب جامعي، وبالعموم فقد تمفصل هذا العمل على ستة مباحث تضمنت في جانبها الأول طرحا لسؤال العلاقة بين الجامعة وسوق العمل، أما في المبحثين الثاني والثالث فخصصنا ذلك للإطار المنهجي وكذا المفاهيم الاجرائية، أما في المبحث الرابع فكان الوقوف عند إشكالية الاندماج والاستبعاد المهني بين الشباب الجامعي المتخرج، بالمقابل توقفنا بالبحث في جزئه الخامس عند مظاهر الرضا وعدم الرضا بين الشباب المتخرج، لننتهي بالبحث إلى تعديد مشاكل ومعيقات اندماج الجامعة ومخرجاتها بسوق العمل في الجزائر.

الكلمات المفتاحية:

الجامعة، سوق العمل/ الشغل، الشباب المتخرج، الاندماج الاجتماعي، الاستبعاد الاجتماعي

Abstract 

Through a problematic approach we tried to understand the relationship between the Algerian University and the labor market.
Through field work we meant to select intentional sample we included 110 students in this research we division it into six subject: in the first one we asked a question about the position of the University and the labor market. In the second and third subject of this problematic we have allocated this methodological framework and procedural concepts. in the fourth subject we tried to address the problem of integration and professional exclusion between the young University graduated and the labor market.
In the fifth subject we found multiplicity of problems and obstacles between the University and it’s output from jobseekers and their collection in the labor market. 

Keywords: University / labor market / Graduated youth / jobs / Social inclusion/integration , social exclusion.

تمهيد:

العمل هذا حاولنا من خلاله البحث في إشكالية العلاقة بين الجامعة الجزائرية من خلال مخرجاتها وسوق العمل ومن خلاله الاندماج المهني والاجتماعي لخريجيها، وكان ذلك من خلال عمل ميداني شمل عينة من الشباب الجامعي المتخرجّ من جامعتي تلمسان وسيدي بلعباس كنموذج ممثل لبقية الشباب، وقد حاولنا التركيز بحثيا في ذلك على مسألتي الاندماج والتضمين الاجتماعي للشباب الجامعي في سوق العمل أو استبعادهم، ومن ثمة انعكاسات ذلك على واقع هؤلاء.

بالنسبة للأبعاد والمؤشرات الميدانية التي سنقيس من خلالها مسألة الاندماج أو الاستبعاد المهني والاقتصادي، فهي تتعلق بمؤشرات الشغل واستقطاب سوق العمل، مع تصنيف لأنماط العمل وأشكاله ومدته، حجم البطالة لهذه الفئة ميدانيا مع مقارنتها ببعض الاحصائيات المقدمة من طرف الديوان الوطني للإحصاء.

في نهاية العمل سنحاول التوقف بالبحث السوسيولوجي- الميداني عند مشاكل ومعيقات اندماج الجامعة ومخرجاتها في سوق الشغل، وكيف أدى ذلك إلى إنتاج وضعيات استبعادية لفئة الشباب الجامعي المتخرج عوضا عن توفير فرص لاندماجهم الاجتماعي والمهني.

هذا الوضع ستكون له مخلفات أخرى سنتوقف عندها بالبحث، حيث سنقوم بقياس مدى رضا هؤلاء الشباب عن أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية، كما سنقوم بتحديد لأهم الأسباب وتوصيف لأهم المشاكل التي تعترض هؤلاء الشباب في الاندماج الاجتماعي والمهني خصوصا، وفي الختام سنتوقف بالبحث عند مؤشرات أخرى كانت نتاجا لهذا الوضع وأبرزها الهجرة والتطلع للمستقبل عند هؤلاء الشباب.

Iسؤال العلاقة بين الجامعة وسوق الشغل بالجزائر؟

العلاقة بين الجامعة وسوق العمل في العالم هي علاقة تفاعلية دائمة ومستديمة، فعادة ما يعرض المحيط السوسيو- اقتصادي حاجياته وخصاصه، وفي العادة تتولى الجامعة ملئ جزء مهم من هذا الخصاص، غير أن مقارنة ذلك بالحاصل بدول العالم الثالث ومنها الجزائر، يجعلنا نتوقف بالبحث عند مفارقة كبيرة تميزها تلك الفجوة الهائلة بين مخرجات الجامعة ومتطلبات وعروض سوق العمل.

إذن، هذا دفعنا للبحث في ذلك من منطق تساؤلات اشكالية مفادها: هل هناك علاقة اندماج وتضمين لمخرجات الجامعة في سوق العمل بالجزائر؟ أم أن الفجوة الحاصلة في العلاقة عمقت مستويات الاستبعاد الاجتماعي والمهني للشباب المتخرج من الجامعة؟

ما هي الأسباب التي تقف عائقا في وجه العلاقة الايجابية والادماجية للجامعة ومخرجاتها بسوق العمل ومن خلاله المحيطين الاجتماعي والاقتصادي؟، وما التفسيرات السوسيولوجية الممكن تقديمها لأزمة العلاقة بين مخرجات الجامعة وحاجات سوق العمل، وفي الأخير، ما هي مشاكل ومعيقات اندماج الجامعة ومخراجاتها ( الشباب المتخرج) في سوق العمل؟

IIالمنهجية المعتمدة في البحث:

العمل هذا عبارة عن مقاربة سوسيو- أمبريقية ذات منحى تفسيري وفهمي لمختلف أبعاد ومؤشرات التضمين أو الاستبعاد الاجتماعي لفئة الشباب خرجي الجامعات بالجزائر، أما بالنسبة للتقنيات والأدوات فقد استخدمنا الملاحظة المباشرة لميدان البحث، وكذا الاستمارة (الاستبيان) التي اشتملت على العديد من الأسئلة، التي توزعت على عدد من المحاور خصت في جانب منها عدد من أبعاد التضمين والاستبعاد الاجتماعي في علاقة الجامعة بسوق العمل، إضافة إلى محاور أخرى خصصت لأسباب ونتائج ومخلفات الاستبعاد المهني للشاب الجامعي المتخرج.

بالنسبة لمجتمع البحث هو مجموع الشباب الجامعي الذي اخترناه بجامعتي سيدي بلعباس وتلمسان، والمتراوحة أعمارهم بين 18 و41 سنة، وباعتبار أنه غير معلوم في عدده، فإن ذلك اقتضى منا استخدام الطرق والأساليب العلمية الإحصائية لاستخراج العينة وتحديد نوعها، ولتحقيق ذلك استخدمنا معادلة روبيرت ماسون، وبعد استخدامها انتهينا إلى عينة قصدية- عمدية شملت تنويعا في خصائصها المتعلقة بجنس المبحوثين وعمرهم ومستواهم التعليمي والنشاط والوضعية الاجتماعية، وضمت في النهاية 110 شاب يتوزعون مناصفة بين الجنسين.

IIIالمفاهيم الاجرائية في البحث

توزعت المفاهيم الإجرائية في البحث على أربعة مفاهيم رئيسية هي كما يلي:

1- الجامعة:

الجامعة مؤسسة عالية المستوى غرضها التدريس والبحث، ومنح شهادات أكاديمية خاصة لمن يرتادوها، إحدى هذه الشهادات تُمنح للمتخرجين في طور دراسات التدرج، وعادة ما تسمى بشهادة الليسانس؛ في حين تمنح الجامعة شهادات عليا للباحثين في طور دراسات ما بعد التدرج، والتي عادة ما تشمل شهادة الماجستير وشهادة الدكتوراه (عربي.ب، 2016: 249).

وتعرف في جانب آخر باعتبارها مجتمعا مصغرا، يقوم بوظيفة خدمة المجتمع والمشاركة في بنائه ومصدر للتطور الاجتماعي، الثقافي والاقتصادي؛ ويقع على عاتقها تكوين الإطارات التي تحتاجها الدولة. مع ضرورة أن يأخذ ذلك بعين الاعتبار حاجات المجتمع ومتطلباته وانشغالاته (عربي.ب، 2016: 249).

2- سوق العمل/ سوق الشغل

إن سوق العمل هو السوق الذي تباع فيه خدمات العمل وتشترى، حيث يمثل جانب الطلب المؤسسات وقطاع الأعمال، بينما يمثل جانب العرض القوى العاملة (العمال والبطالون)، أما في سوق الشغل فتتبادل الأدوار، فيصبح جانب الطلب في هذا السوق ممثلا في مجموع القوى العاملة، والمؤسسات هي التي تمثل جانب العرض لأنها هي التي تعرض مناصب الشغل؛ كما أن السلعة محل التبادل في سوق الشغل هي مناصب الشغل (جباري. ع.ر، 2015: 20)

3- التضمين والاندماج الاجتماعي: (Social inclusion)

التضمين الاجتماعي في معناه نقيض وضد لمعنى ومفهوم الاستبعاد الاجتماعي، وهو يعني توفير بعض الحقوق لجميع الأفراد والجماعات والمجتمع، من ذلك مثلا العمل والسكن الملائم والرعاية الصحية والتعليم والتدريب وغير ذلك (محسن. م، 1995: 21-26).

4- الاستبعاد الاجتماعي: (Social Exclusion)

الاستبعاد الاجتماعي هو عكس التضمين والاندماج الاجتماعي(Burchardt T., Le Grand .J, and Piachaud. D, 2002: 1-12.)، وهو مصطلح مختصر لما يمكن أن يحدث عندما يكون الناس أو مناطق تعاني من مجموعة من المشاكل مثل البطالة، وضعف المهارات وانخفاض الدخل، وسوء السكن، وسوء الأوضاع الصحة والتفكك الأسري وغيره(Muddiman, and Others, 2000: VIII, 02-05) .

كما يرتبط في نسقه التعريفي كليا أو جزئيا بمعنى ومفهوم الاقصاء الاجتماعي والحرمان والتهميش واللامساواة والانقسام الاجتماعي وغيرها من المفاهيم، التي هي في نفس الوقت إحدى أبعاده، كما تعد عوامل كالفقر والهجرة وغيرها روافد ونتائج من نتائجه Muddiman, and Others, 2000)).

IVالشباب الجامعي المتخرج وإشكالية الاندماج والاستبعاد المهني:

إدماج الشباب الجامعي المتخرج أو استبعادهم واحد من الإشكالات السوسيولوجية بالجزائر، نظرا أولا لحجم الشباب عموما ضمن التركيبة الديمغرافية للبلاد والمتخرج منه بالخصوص، ومن الناحية الأخرى انتظارات هؤلاء وحاجاتهم المتعددة خصوصا بعد التخرج، التي يكون عدم تحصيلها وتحقيقها سببا في الغالب لنقمة وعدم ثقة الشباب الجامعي في السياسات العامة، وحتى انتفاضتهم واحتجاجهم عليها، نظرا لشعورهم بالاستبعاد والتهميش والاقصاء في ظل حكمهم بالفشل لهذه السياسات.

عموما لن نغوص في تحليل السياسات التنموية التي وجهت وخصت الشباب الجامعي منذ استقلال الدولة الوطنية إلى اليوم وتبيين مدى قصورها أو نجاحها في توفير الاندماج الاجتماعي له، وإنما سنتوجه إلى محاولة كشف ذلك عبر ميدان البحث من خلال عينة بحثية ستخص الشباب الجامعي المتخرج بجامعتي سيدي بلعباس وتلمسان، حيث سنقف بالبحث الأمبريقي عند عدد من الأبعاد والمؤشرات الدالة لحجم الاندماج والاستبعاد المهني لهؤلاء الشباب (مخرجات الجامعة).

الشكل (1): المستوى التعليمي للمبحوثين

البارز من خلال الشكل أن فئة المتخرجين بشهادة ليسانس ومهندس هي الفئة الغالبة بنسبة أكثر من 43%، ثم تتدرج بقية النسب الأخرى، وهو ما يتوافق والنسبة العامة السنوية للمتخرجين بالشهادتين على مستوى الجامعة الجزائرية.

بالنسبة للوضعية المهنية للمتخرجين الجامعين الذين يمثلون عينة هذا البحث، فإن أهم الملاحظات التي سجلناها كانت كالتالي:

رغم الفارق الايجابي في الاندماج المهني لأكثر من نصف الشباب المتخرج، إلا أن نسبة مهمة تبقى مستبعدة، وهذا يعكس جانب من العلاقة بين مخرجات الجامعة وخصاص وعروض سوق العمل.

هناك فرق كبير بين النسب المقدمة وطنيا للباطلين الجامعيين من خلال الديوان الوطني للإحصاء وحجمها واقعيا على الأقل من خلال هذا البحث (الديوان الوطني للإحصاء: 2015).

الشكل (2): الوضعية المهنية للشباب المتخرج

في ما يخص علاقة الوضعية المهنية للشباب المتخرج بمتغير المستوى الشهادة المحصل عليها اتضح لنا ما يلي:

الشكل (3): الوضعية المهنية للمبحوثين حسب المستوى التعليمي

الفئة الأكثر استقطابا في سوق العمل، كانت فئة الشباب المتخرج الحاصل على شهادة الماجستير والماستر، والتي سجلت فارقا ايجابي بين نسبة البطالين والمشتغلين.

بينما فإن النسبة الثانية كانت لأصحاب شواهد الليسانس والمهندس، ورغم الفارق السلبي، إلا أن نسبة ثلث هذه الفئة حصلت على عمل.

نسجل أيضا أن فئة المتخرجين بدكتوراه أو حتى المتسربين وأصحاب الشواهد التطبيقية كان هناك فارق ايجابي بين نسبة من هم في وضعية شغل أو بطالة.

بالنسبة لنمط وطبيعة الشغل عند المتخرجين الجامعين، اتضح من خلال الشكل التالي ما يلي:

الشكل (4) طبيعة ونمط الشغل عند الشباب الجامعي المتخرج

رغم وجود ما يقارب 46,7% من الشباب المتخرج في وضعية ادماجية مهنية قارة ودائمة، إلا أن 53,3% من هؤلاء ينشطون في نشاطات وأعمال متقطعة أو وبعقود مؤقتة وحتى من خلال عقود ما قبل الشغل، التي أستحدثت فقط في السنوات الأخيرة لامتصاص أفواج البطالين خصوصا منهم المتخرجون الجامعيون، وكان ذلك آلية لشراء سلمهم الاجتماعي والحد من احتجاجهم.

بقراءة أخرى 53,3% من الشباب الجامعي المشتغل عرضة في أي لحظة لشبح البطالة والفقر، فعمليا كل من هو في وضعية شغل بعقد مؤقت أو شغل متقطع أو حر، كل هؤلاء عرضة للبطالة وتبعاتها السوسيو اقتصادية والنفسية خصوصا، ومعها يبرز دور السياسات التنموية وبرامج التشغيل القاصرة والفاشلة، التي تغذي سلبيا إنتاج مزيد من عناصر الاستبعاد المهني والاقتصادي والاجتماعي لهؤلاء الشباب الجامعي.

في ما يخص قراءة الشكل التالي، الذي يخص توزيع نسب تشغيل المتخرجين تبعا لهوية رب العمل اتضح بعد التفريغ ما يلي:

الشكل (5): توزيع الشباب الشغيل تبعا لهوية رب العمل

فيما يخص توزيع الفئة الشغيلة بين مختلف القطاعات، سجلنا في ذلك أن أكبر نسبة بالقطاع العام، بينما تبقى النسب الأخرى ضعيفة، وهذا يعكس بالنسبة للجزائر عجزا للقطاعين الخاص والحر (غير الرسمي) في امتصاص فائض اليد العاملة الجامعية.

بالنسبة لقراءة ذلك إحصائيا، وبالإضافة إلى القراءة السابقة، فإن ما يقرب 36,7% من المبحوثين المشتغلين بالقطاع الخاص وغير الرسمي (الحر) هم عرضة بدورهم لشبح البطالة، خصوصا أن هذه القطاعات غير مهيكلة بشكل دقيق وصارم، وتعرف العديد من التجاوزات.

كما أن العديد من المبحوثين الجامعيين المشتغلين ناقمين عن أرباب العمل الخواص لعدم توفيرهم نفس مزايا القطاع العام وحرمان العمال من الضمان الاجتماعي والصحي والتقاعد، والأمر نفسه ينطبق على القطاع غير الرسمي الذي يبقى زئبقي ويتغير على الدوام صعودا ونزولا، ما يؤثر على الأوضاع المهنية والاجتماعية لممتهنيه.

Vمستوى الرضا من سوق العمل عند الشباب المتخرج:

بالنسبة لمدى رضا الشباب المتخرج عن سوق العمل وسياسة التشغيل بالجزائر، اتضح بعد التفريغ ما يلي:

الشكل (6): مدى رضى الشباب عن سوق العمل بالجزائر

بالنسبة لأهم الأسباب التي جعلت أغلب المبحوثين يعبرون عن عدم الرضا هي:

غياب فرص الشغل، بسبب ضعف سياسات التشغيل وآلياتها الخاصة بالشباب المتخرج.

عدم تحمل المسؤولين لواجباتهم اتجاه الشباب الجامعي المتخرج ومشاكله.

تزايد الشعور بالتهميش والاقصاء والاستبعاد عند الشباب المتخرج بسبب فترات البطالة الطويلة وعدم الاندماج المهني.

انتشار الفقر بين الشباب الجامعي المتخرج بسبب شح مناصب العمل ومستوى الأجور المنخفضة.

الأمر هذا اختلف مع نسبة من عبروا عن رضاهم، حيث أقر ربع المبحوثون بوجود:

تحسن لسياسات التنمية والاهتمام بأوضاع الشباب الجامعي.

تزايد فرص الشغل التي أصبحت متوفرة حسبهم عن ذي قبل.

الشكل (7): تطلعات وتمثلات الشباب الجامعي للمستقبل

في ما يخص تطلعات وآمال وتمثلات الشباب الجامعي المتخرج للمستقبل، اتضح من خلال الشكل التالي ما يلي:

قراءة هذه النسب تعكس لنا وضع الشباب المتخرج، والذي مهما اختلف في بعض طروحاته، غير أن لسان وتعبير واحد جمع بين أغلبية هؤلاء مفاده ضيق الأفق وانحصار التطلعات إلى المستقبل، ما أسهم حسبهم في تنامي آمال الهجرة إلى الخارج، وكذا انتشار الكثير من المظاهر الاجتماعية الأخرى نتيجة حسبهم لحالة التذمر والسخط اتجاه مختلف السياسات الفاشلة والهاضمة لحقوقهم، والتي انقطع خيط الثقة معها عند كثير من هؤلاء.

لتوضيح الأمر أكثر اخترنا عنصر الهجرة، الذي حاولنا من خلاله جسّ رأي ومواقف الشباب الجامعي المبحوث، وبعد التفريغ تم تحصيل النتائج الكمية التالية:

الشكل (8): نوايا والتطلع للهجرة عند الشباب الجامعي المتخرج

من خلال هذا الشكل يظهر أن أغلب الشباب الجامعي المتخرج سواء منه العامل أو العاطل يطمحون للهجرة الخارجية.

بالنسبة لأسبابهم في ذلك فهي تتعدد بين عدة عوامل أهمها:

العامل السوسيو اقتصادي كدافع وهدف أساسي متوخى من هذه الهجرة بسبب الظروف المهنية والاجتماعية والاقتصادية، التي يعتبرها الشباب مزرية بالداخل ودافعة لهم للهجرة.

العامل الذاتي يدفع فئة أخرى للتفكير في الهجرة، في ظل اعتبار أن أوضاعهم تعرف نوع من الأستاتيكية والنكوص نحو مزيد من التأزم مع غياب أي أفق مستقبلي قريب أو منظور.

استكمال الدراسة عامل ثالث عند الشباب المتخرج، فالدراسة بالخارج بالنسبة لهم تفتح لهم آفاق تحقيق الآمال والتطلعات والاندماج، التي لم يجدوه في الأنظمة التعليمية وسوق الشغل بالجزائر

البحث عن الحرية بمعناها الشامل والرامز لمعاناتهم من التضييق والتقييد، الذي يشعرون ويعيشونه داخل الجزائر، كما عبر آخرون ببلاغة القول أنهم يبحثون عن التقدير “الشعور أننا بنوا آدم”، هذا يعكس واقع حسبهم الوقع الاستبعادي لهم، والذي لم ينتج إلا مزيدا من عناصر الحرمان والظلم واللامساواة في الفرص، وبالتالي يبقى كل ذلك دافع أساسي لهجرة الوطن عوض العيش في غربته حسب هؤلاء.

IV – مشاكل ومعيقات اندماج الجامعة ومخرجاتها بسوق العمل.

لا يخفى على أحد أن العلاقة بين الجامعة وسوق العمل بالجزائر تعرف نوع من الفجوة، بل نوع من القطيعة غير المعلنة أحيان بين مخرجاتها وعروضها ومتطلبات سوق العمل، وهذا ما جعل غالبية الشباب تعبر عن عدم رضاها، وفي المقابل سعيها للهجرة.

بالنسبة تفسير هذا التوتر والفجوة في العلاقة يعزى إلى عدة إشكالات تتعلق بالمخرجات التي يغلب على طابعها النظري دون التطبيقي، فلا توجد إلى اليوم علاقة واضحة بين الجامعة والمؤسّسات، ولا تتحمّل الدّولة هذه المسؤولية ويزيد مشكل الكفاءة ومخرجات الجامعة الوضع تأزما (مساك. أ، 2010: 18) خصوصا في ظل انفصال – كما سبق الذكر – بين المتلقى النظري للمتخرجين والحاجيات التطبيقية للمؤسسات ولسوق العمل.

الإصلاحات الموجهة (سياسيا) التي عرفتها الجامعة ومست مخرجاتها، وعدم توافقها مع متطلبات وشروط وواقع وعروض سوق العمل. الشيء الذي رهن عملية تكيف الجامعة ومن خلالها التعليم العالي مع المحيط السوسيو اقتصادي ومنه بالخصوص سوق العمل، الذي يعتبر مؤشر من مؤشرات النمو الاقتصادي أو انخفاضه(مساك. أ، 2010: 18)..

تراجع في مستوى الاعتراف الاجتماعي لمخرجات الجامعة، حيث أصبح يُنظر لها كمجرد هيكل مادي واجتماعي يجمع بين جدرانه فئات اجتماعية غير مخطط لها في تعليمها وتخريجها مع محيطها الخارجي خصوصا منه سوق العمل(مساك. أ، 2010: 11).

التضارب المتواصل بين التصورات التنموية للسلطة والجامعة وهو ما ضاعف حجم الأزمة في علاقة الجامعة والسلطة ومن ثمة المجتمع، هذا جعل الجامعة شبه معزولة اليوم في كثير من نشاطاتها عن المجتمع وأحواله وحاجياته ما كرس نوع من دونية مخرجاتها عند أرباب العمل والفاعلين في سوقه.

هذا الوضع أثّر على نوع الشهادة التي يتخرّج بها الطلبة من حيث طابعها العلمي المحدود، وخلق مفارقة واضحة بين ما تزعم الجامعة القيام به وبين ما هي عليه في الواقع(مساك. أ، 2010: 01)، ولهذا فإن جامعاتنا متهمة اليوم بتخريج أفواج من العاطلين من أنصاف المتعلمين (القاسمي. ع، 1998: 60).

في ظل الظروف الحالية التي تعيشها الجامعة ومع التحولات المتسارعة التي يعرفها مجتمعنا، أصبحت الجامعة غير ذا كفة في ميزان القوى مع المحيط الاجتماعي، ذلك أن تثمين دورها ومنتوجاتها “المعرفة والكفاءات التي يحملها خريجو الجامعات” لا تحظى بالاعتراف الاجتماعي، خصوصا في ظل عدم فعاليتها وقدرتها على تحقيق منفعة عملية مجسدة على مستوى سيطرتها على المشكلات المجتمعية التي يتخبط فيها المجتمع الجزائري، فإذا أمعنا النظر في مخرجات ونوعية المنتوج الذي تقدمه الجامعة ندرك أسباب اللاتوازن مع الحاجيات والطلب الاجتماعي(العياشي. ع، 1998: 12-13) ما يكرس الاتجاه نحو غياب كل تصور متكامل لنظام التعليم العالي والجامعة وفق مشروع مجتمعي مستقبلي شمولي بالجزائر.

كل هذا يمكن تشخيصه أكثر من خلال علاقة الجامعة بالطلب الاجتماعي، إذن، الإشكال يُطرح من جانبين، فنجد أن القطيعة القائمة بين النسقين الجامعي والمجتمع ومن خلالها المحيط الاقتصادي يؤثر سلبا على تحديد الطلب الاجتماعي للمؤسسات الاجتماعية، فالمجتمع حسب الجامعيين لم يحدد طلبه بوضوح، والجامعة حسب المجتمع لم تعمل على البحث عن هذا الطلب لتبني على إثره برامجها ومنتوجها، مما انعكس على نوعية الشهادة التي أصبحت نظرية في غياب الانسجام بين الواقع الاجتماعي وما تنتجه الجامعة، فالتخصصات الأكاديمية لا تخدم كلها المجتمع ومؤسساته الاقتصادية والانتاجية بدليل مؤشر بطالة الخريجين المتزايد كل سنة (مساك. أ، 2010: 11).

من جهة أخرى البحث العلمي الموجود في الجامعة الجزائرية لم يرق بعد إلى المستوى الذي يعطيها مكانة أفضل في مجتمعها وفي محيطها الاقتصادي ومن ثمة والتوجه إلى الانتاج وسوق العمل.

هذا جعل الجامعة الجزائرية تخفق في الاندماج وسط المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما كرّس تلك الفجوة بين مخرجاتها السنوية ومتطلبات سوق العمل في الجزائر.

من ناحية تعرف الجامعة مشاكل أخرى منها اللاتوازن بين مدخلاتها ومخرجاتها خصوصا بين أعداد الطلبة الوافدين إليها والمتخرجين منها، وسوق العمل وحاجياته ومدى استيعابه لهؤلاء، وبالتالي الذي يحصل في مخرجاتها هو اللاتوازن الدائم بين العرض والطلب الاجتماعي.

يمكن أن نضيف لذلك غياب أي استراتيجية واضحة للتفاعل بين الجامعة سواء في حاجيات السوق من التخصصات أو من حيث العدد الممكن اسقطابه سنويا في سوق العمل، إضافة إلى كل ذلك الانفصال الكبير بين محتوى التعليم الجامعي ذي التكوين النظري في معظمه ومقتضيات سوق العمل التطبيقية، مما أدى إلى عدم قدرة الجامعة الجزائرية على التلبية النوعية للتخصصات لصالح الطلب الاجتماعي.

في الأخير تتسع الهوة اليوم بين مضامين التعليم العالي بالجزائر وبين متطلبات سوق العمل، فانعدم الارتباط بين تخطيطه وسوق الشغل وبالمحيط المجتمعي عموما، كرس نوعا من القطيعة بين الجامعة والمجتمع، فسياسة التوظيف لا تتماشى مع سياسة التكوين الجامعي، كما أن مناهج التعليم العالي لا تواكب التطورات السريعة في ميدان العلوم والتقنيات ولا المتغيرات المتلاحقة في تقانة المعلومات والاتصال، ومن ثمة إن عملية تغيير المناهج في الجامعات أبطأ بكثير من التحولات المتلاحقة في سوق العمل، ولهذا فإن جامعاتنا متهمة بتخريج أفواج من العاطلين من أنصاف المتعلمين كما سبق الذكر على لسان الباحث قاسمي علي.

خلاصة:

في خلاصة هذا البحث، فإن ما نؤكد عليه هو أن محاولتنا مقاربة إشكالية العلاقة بين الجامعية الجزائرية وسوق العمل، قد انتهت في جانبها الميداني إلى العديد من المفارقات كان أبرزها حالات الاستبعاد الاجتماعي للعديد من المتخرجين، فبسب تلك القطيعة بين مخرجات الجامعة التي يغلب الجانب النظري في تعليمها وبين المتطلبات التطبيقية للمحيط الاجتماعي والاقتصادي، كل هذا أدى إلى إنتاج مشاريع متخرجين استقطبتهم البطالة وحرمتهم من فرصة الاندماج المهني.

هذا الوضع كان له تبيعات متعددة لعل أبرزها تزايد حالات التذمر وعدم الرضا بين الشباب المتخرج عن أوضاعه وعن سياسة التشغيل بالجزائر عموما، حيث عبر العديد من هؤلاء المبحوثين عن يئسهم من تحصيل وظيفة قارة، وبالمقابل دفع ذلك العديد منهم إلى التفكير في بدائل ممارساتية وكانت الهجرة في ذلك إحدى هاته الممارسات، حيث عبر العديد منهم عن سعيهم للهجرة، بسبب مظاهر الاقصاء والاستبعاد خسبهم.

من ناحية أخرى تعكس هذه الأسباب والمخلفات أزمة علاقة مخرجات الجامعة بطلب سوق العمل وعروضه، وعند تفصيلنا لذلك سابقا إنتهينا إلى نوع من الأزمة البنيوية التي تمس النسقين، سواء الجامعة ومخرجاتها أو حتى سوق العمل باعتبار الفجوة التي تطبع العلاقة بينهما، وهو ما يحتم اليوم تكاتف جهود مختلف الفاعلين بالميدانين لإعادة دمجهما في بعض (الجامعة والمحيط)، مع العمل على إصلاح التعليم العالي وتحسين برامجه ومخرجاته بما يتوافق ومتطلبات سوق العمل ومستحدثاته.

البيبليوغرافية المعتمدة:

  1. جباري. ع.ر، (2015)، آثار سياسة التشغيل على التنمية المستدامة في الجزائر: خلال الفترة 2001-2012، مذكرة ماجستير في الاقتصاد الدولي والتنمية المستدامة، كلية العلوم الاقتصادية، التجارية وعلوم التسيير، جامعة سطيف1،ـ سطيف.
  2. القاسمي. ع، (1998)، الجامعة والتنمية، السلسلة الشهرية المعرفة للجميع، منشورات رمسيس، الرباط.
  3. عربي. ب، (2016)، “دور الجامعة الجزائرية في التنمية الاقتصادية: الفرص والقيود”، المجلة الجزائرية للعولمة والسياسات الاقتصادية، منشورات مخبر العولمة والسياسات الاقتصادية، جامعة الجزائر3، العدد 07، الجزائر.
  4. العياشي. ع، (1998)، أي غد لعلم الاجتماع؟، من ندوة الجامعة اليوم، تنسيق وتقديم جمال غريد، منشورات المركز الوطني للبحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية ((CRASC، وهران.
  5. محسن. م، (1995)، “الشباب وإشكالية الاندماج الاجتماعي (مقاربة سوسيولوجية)”، من الكتاب الجماعي: الشباب ومشكلات الاندماج، تنسيق الداشمي عبد السلام وحدية مصطفى، ط1، منشورات كلية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط، سلسلة ندوات ومناظرات رقم 49، الرباط.
  6. مساك. أ، (2010)، “التمثل الاجتماعي للجامعة الجزائرية في ظل العولمة”، مداخلة مقدمة في إطار الملتقى الدولي الأول: الجامعة والنقابة بين التحولات والتطلعات، من تنظيم نقابة أساتذة التعليم العالي، الجزائر العاصمة يومي 26 و27 ماي 2010، الجزائر.
  7. هيلز. ج ولوغران. ج، (2007)، الاستبعاد الاجتماعي: محاولة للفهم، من الكتاب الجماعي الاستبعاد الاجتماعي: محاولة للفهم، ت. الجوهري محمد، عالم المعرفة، اصدار المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، العدد 344، الكويت.
  8. Burchardt T., Le Grand. J, and Piachaud. D, (2002), ‘Introduction’, in Hills, Oxford, eds Understanding Social Exclusion, Oxford University Press, Oxford.

  9. Muddiman, D and others, (2000), Open to All? The Public Library and Social Exclusion, Volume One: Overview and Conclusions, Library and Information Commission Research Report 84, Resource: The Council for Museums, Archives and Libraries.

  10. Muddiman, D, (2000), Theories of social exclusion and the public library, In: Open to All? : the Public Library and Social Exclusion. London: Resource: The Council for Museums, Archives and Libraries, pp. 1-15. [Book chapter], Web Site: http://eprints.rclis.org/7118/ Visit the site on 5/01 /2016 .