Ibrahim Dahmane
Université d’Oran 1 Ahmed Ben Bella
ملخص:
يميل الإنسان في حياته إلى اختيار الأمور السهلة التي لا تكلفه جهدا كبيرا، وقد اعتنى اللغويون بظاهرة الانسجام الصوتي وتوالي الحروف بشكل سلس متزن لما تحققه من سهولة يسر، وكذا برصف الكلمات وسبكها وفق آلية تمتع الأذن وتحمل المعاني والدلالات، وتسهّل على اللسان العمل وتقلل الجهد العضلي، ويحاول هذا البحث الكشف عن أشكال الانسجام الصوتي التي تحقق هذا الطلب وتساهم في بناء النص، وعن كيفية توظيف الطاهر وطار ذلك في رواياته.
الكلمات المفتاحية: الانسجام– المماثلة– الصوت– الإدغام– المخالفة.
Abstract
People tend to choose easy things that do not cost much effort. The linguists took care of the phenomenon of vocal harmony. and Keep track of the words in a fun way. facilitates the tongue to work and reduces muscle strain. This research attempts to uncover the different forms of harmony that contribute to the construction of the text. And how he used Tahir wettar it in his novels.
تمهيد
اعتنى الدارسون بظاهرة الانسجام الصوتي وتوالي الحروف بإيقاع متزن، ورصف الكلمات وسبكها وفق آلية تمتع الأذن وتحمل المعاني والدلالات، وتسهّل على اللسان العمل وتقلل الجهد العضلي، فالناطق يلجأ إلى اختيار الحروف السهلة والأكثر تقبلا للاندماج والتوافق، وهذا ما يحدث أثناء توالي الحروف في الكلمة الواحدة.
فلكل حرف صفة معينة ومخرج خاص، ويصعب على اللسان في بعض الأحيان الانتقال من مخرج معين إلى مخرج آخر بعيد عنه، أو الانتقال من وضعية مستعلية إلى وضعية مستفلة، فيقوم حينها بتقريب المخرجين والجمع بين الصفتين المتضادتين ويقربهما إلى صفة واحدة تجمع الصوتين، وكل ما سبق يندرج تحت مسمى التماثل والتقريب، كما قد يحدث العكس أحيانا؛ إذ يجد اللسان صعوبة في توالي صوت معين وتكراره، أو في تقارب مخارج بعض الحروف، بسبب النفور من كراهية التضعيف وقرب المخارج، أو توالي حركة معينة، حينها أيضاً يستعين اللسان بالمخالفة والتباعد.
طبيعة الإنسان تحب الأشياء المنتظمة وتميل إليها، فهي أشياء تجذب النفس وترغبها فيها، سواء كان هذا الشيء ماديا ملموسا، أو شيئاً معنويا وجداني، وما الموسيقى لا تجسيدا لذالك؛ فالأذن تستمتع إلى اللحن المبني على سيمفونية معينة وإذا ما تبدل إيقاع اللحن، فإنه يحدث خدش في ملكة الاستماع ويدرك حينها مباشرة أنه هناك خلل معين.
كما الناس تحب خطابات وكلام شخص معين، وتنفر من كلام آخر، وبطبيعة الحال يعود الأمر إلى نبرة كلا من الخطيبين، فلو قمنا بدراسة عمل كل منهما، فلا شك أننا سنجد أن الاختلاف مرده القدرة على اختيار الكلمات ورصفها، وكذا التحكم في حدة الصوت، ومراعاة المكان الذي يلقى فيه الصوت، واستعمال النبر والتنغيم وفق ما تقتضيه الحاجة.
أولاً: المماثلة
تعريف المماثلة لغة:
جاء في معجم الصحاح للجوهري ما نصه:“مِثْلٌ: كلمة تسويةٍ، يقال: هذا مِثلُهُ ومَثَلهُ كما يقال شِبْهُهُ وشَبَهُه بمعنىً „1. ويقول عنها ابن فارس:“مثل الميم والثاء واللام أصل صحيح يدلُ على مناظرة الشيء للشيء، وهذا مِثْل هذا أي نظيره، والمِثْل والمِثال في معنىً واحد، وربَّما قالوا مَثيل كشبيه„2.
ونجد في المعجم الوسيط:“ مَاثلَ الشيءَ شابههُ، ويُقالُ مَاثل فلاناً بفلانٍ شبههُ به، وَلا تكونُ الممَاثلةُ إِلاَّ بَينَ المتفقين، تقول نحوهُ كنحوهِ، وفقهُه كفقههِ، ولونهُ كلونهِ، … تماثل الشيئان تشابها„3.
نلاحظ أن المعنى اللغوي لكلمة ماثل يعني المشابهة والمقابلة ولا يكون إلا بين الشيئين المتفقين، المتواجدين في منزلة واحدة، أو يشتركان في صفة معينة.
اصطلاحا:
هي عملية التقارب التي تحدث للأصوات أثناء تجاورها في التركيب؛ فيميل الصوت إلى الصوت المجاور له، فينزعان إلى التشابه، ويشتركان في الخصائص الصوتية، بحيث تذوب بينهما الفوارق، ويتقلص الاختلاف.
يعرفها رمضان عبد التواب بأنها“ نواع من التوافق والانسجام بين الأصوات المتنافرة في المخارج أو في الصفات„4، أو هي عملية الشد والجذب التي تحدث بين الأصوات التي هي من مخرج واحد أو مخرجين مختلفين أثناء التقاءهم، ليتماثل فيما بينها في الصفة. ولكن لا يمكن أن ينقلب الصوت إلى صوت آخر بعيداً عنه في المخرج، فلا ينقلب صوت شفوي إلى صوت حلقي مثلاً .5
كما عرفها بعضهم بقوله: „هي عملية إحلال صوت محل صوت آخر تحت تأثير صوت ثان قريب منه في الكلمة„6. فهي التعديلات التكيفية التي تطرأ على الأصوات أثناء مجاورتها، أو هي تحول الفونيمات المختلفة إلى فونيمات متماثلة.
وبهذا يمكننا القول أن التماثل يقوم“ على تغيير وحدة صوتية معينة داخل العلامة اللغوية الدالة المعينة لتصبح أكثر تماثلا مع وحدة صوتية أخرى تجاورها داخل العلامة اللغوية المعينة:“7. فالمماثلة تعني أن يتحول الأصوات المتنافرة في المخرج أو الصفة إلى أصوات متقاربة صفة أو مخرجاً، بحيث يقوم صوت معين بالضغط على الصوت المجاور له، ويحوله إلى صوت من جنسه يماثله.
من صور المماثلة:
-
المماثلة في صيغة افتعل
تتأثر التاء إذا جاءت بعد حرف من حروف الإطباق فتنقلب إلى صوت يماثل الحرف المطبق، فالفعل صبر بعد أن تدخل عليه تاء الافتعال يتحول إلى صيغة اصطبر. يقول الطاهر وطار:
„اضطربت العنابية، عندما التقت أعينهما. ابتسم الحاج كيان. دق قلب العنابية، تمنت لو طاوعها الولد وخرجا„8
„واعتراه نوع من الخوف، واضطرب قلبه، واقشعر بدنه، ووهنت أوصاله،„9
الأصل في الفعل اضطرب أن يكون على صيغة [اضترب]، لأنه جاء من الفعل ضرب، إلا أن التاء تأثرت بالصاد التي قبلها وماثلها في صفة الاستعلاء، وانقلب إلى أقرب حرف يشابهها وهو الطاء.
الفعل صبر بعد أن دخلت عليه تاء الافتعال أصبح اصتبر فالتقى في الكلمة الصاد المفخم المهموس والتاء المرققة المهموسة ، فانقلب التاء طاء وأصبح الفعل اصطبر.
ويقول في موضع آخر:
“ أقول لك الصح. لقد اطلعت تقريبا على جل ما كتب بالعربية والفرنسية وما ترجم من
اللغات الأخرى إلى العربية أو الفرنسية„10.
الأمر نفسه للفعل اطَّلع، فقد جاء من الفعل ‚طلع‚ الذي أصبح (اطتلع)، حيث غلب حرف الطاء المفخم حرف التاء المرقق فأصبح مثله في الصفة، وانقلب إلى أقرب صوت يماثله وهو الطاء، وأصبح ‚ اطْطَلَع‚، ثم التقت الطاء الساكنة بالطاء المتحركة فأدغمتا، وهي مماثلة كلية مقبلة متصلة.
-
تأثر ضمير الغائب بالكسرة قبله.
يقول:
„ربما تذكرتُ أمه، وكنت قبل أن أهتدي إلى وثقه بحزامي، عازمة على قتِلهِ.
لقد قبلتِهِ من صميم قلبك„11
„والمؤكد أن دوغول سينتصر عليهِم. إنه يماريهِم حينا، ويجاريهِم حينا آخر„12
„وصندوقا عريضا بِهِ أدراج مغلقة، وزريبة صغيرة عليها وسادة„13
[ِ قبلتِهِ قتلِهِ]
تتأثر حركة هاء الغائب بالكسر الذي قبله أو الياء، لأن الهاء في أصلها مرفوعة كما في „لهُ„، ولما جاءت قبلها كسرة ثقل على اللسان الانتقال من كسر إلى ضم، “ لأن الجمع بين الضمة والكسرة عند العرب بناء ثقيل يأباه الذوق وتنفر منه السليقة„14. فتصبح الهاء مكسورة وبهذا تلتقي كسرتان وهو أسهل على اللسان.
[عليهِم يماريهِم ويجاريهِم]
فالضمير ‚ هم‚ في الأصل مرفوع كما يأتي في ‚ لهُم ‚ ، إلا أنه لما سُبِق بالياء حركة الهاء تأثرت بالصائت الطويل الياء وانقلبت إلى كسرة لتتناسب معها وتحقق الانسجام الصوتي.
[بِهِ]
الأمر نفسه مع الهاء هنا كسرت استجابة منها لكسرة الباء وهي مماثلة مقلبة كلية منفصلة.
-
الإدغام [ المماثلة الكلية]
لغة:يقول عنه الجوهري :“أدغمتُ الفرسَ اللجامَ إذا أدخلته فيه، ومنه إدغامُ الحروف، يقال: أدغمتُ الحروف وادَّغَمْتُهُ على افْتَعَلتُهُ„15، ويقال:“ أدغم الشيء في الشيء: أدخلَهُ فيه، يقال أدغم اللجام في فم الدَّابة، وأدغم الفرس اللجام. ادّغَمه فيه: أدغَمَهُ يقال: ادَّغم الحرف في الحرف„16، فالإدغام بالمفهوم اللغوي هو الإدخال، يقال أدغمت الحبل في عنق الجمل بمعنى أدخلته فيه، وأدغمت كذا في كذا أدخلته فيه وصارا شيئاً واحداً.
اصطلاحا:
هو نوع من المماثلة الصوتية الكاملة، نقوم فيها بإدخال الحرف الساكن في الحرف المتحرك ويصيران من جنس الثاني. بحيث يذوب الحرف في نظيره، ويصيران حرفاً واحداً يرتفع لهما اللسان رفعة واحدةً. وقد أسهب القدماء في دراسته. ويقول عنه ابن عصفور:“ الإدغام هو رفعك اللسان بالحرفين رفعة واحدة، ووضعك إيَّاه بهما موضعاً واحداً وهو لا يكون إلا في المثلين أو المتقاربين„17، أي الحرف المكرر، أو الحرفان المتشابهان المتقاربان في الصفة أو المخرج.
ويقول عنه آخر: هو“ أن تصل حرفاً ساكناً بحرف مثله من غير أن تفصل بينهما بحركة أو وقف، فيرتفع اللسان عنهما ارتفاعة واحدة„18. كما يرى الرضي أن الإدغام ليس هو الإتيان بحرفين أثناء الإدغام، بل هو الإتيان بحرف واحد، إذ لا يمكن إدغام المتقاربين إلا بعد جعلهما متماثلين19، وهو ينقسم إلى: إدغام متقارب وإدغام متماثل.
1/ إدغام المتماثلين: ويكون هذا حين يأتي صوتان متماثلان الأول منهما ساكن والثاني متحرك، فإنه يدغم الحرفين ويرسمان بحرف واحد مع الشدة، فينبو بهما اللسان مرّة واحدة، أمَّا إذا لم يكونا كذلك فنقوم بتسكين الأول وننقل حركته إلى ما قبله إذا كان ساكناً وندغم، أو تحذف حركة الأول مباشرة إذا كان ما قبله متحركاً في الأساس وندغم المتماثلين.
يقول الطاهر وطار:
„ذاك اللاز، وذاك الكابران رمضان. لم يلتحقا بنا إلا منذ أيام قليلة بعد عملية بطولية هزَّت
العدو “ 20
„قلت لك… كانت المغبونة، تشُدُّ ولدها على ظهرها، بخرقة، وكنت أحمل على ظهري ولدها السادس الذي لم يكن يمشي بعد„21
„نحطّمها ماديا ونعيدها روحيا، ثقافيا وحضاريا„22
نلاحظ الكلمات التالية: [هزّت – تشدُّ – نحطّم]
هزّ أصله: هزِزَ، نقول في المضارع هزَزتُ، فجاء حرف الزاي مكرر وثقل على اللسان أن يرتفع للحرف الأول ثم يعود لموضعه ويرتفع للثاني، فقمنا بحذف حركة الأول فاجتمع حرف ساكن وحرف متحرك فتحققت شروط الإدغام فأدغما وصارا حرفا واحدا يرتفع لهما اللسان رفعة واحدة.
حطَّم حرف الطاء المشدد يتكون من طاء ساكنة وطاء متحركة، طْ+طَ=طَّ، فهي حطْطَم فوجب إدغامهما لتوفر شروط الإدغام وهي مماثلة مقبلة كلية متصلة.
أما الفعل المضارع تشُدُّ، فإن حرف الدال المدغم يتكون من دالين متحركين، إذ أصل الكلمة تشْدُدُ، فقمنا بنقل حركة الأول إلى الساكن قبله فكانت الشين متحركة، وغدت الدال الأولى خالية من الحركة واجتمع في الكلمة دال ساكنة مع دال متحركة فأدغمتا معا، وقد حققت الانسجام وقللت الجهد العضلي.
2 إدغام المتقاربين
هو أن يأتي حرفان متقاربين في المخرج أو الصفة ويحدث بينهما تجاذب، ويحدث لهما مثل ما يحدث مع الحرفين المتماثلين فيدغمان معا.
يقول الطاهر وطار:
كان في صدري منجم من مادة سائلة، تذوب كلما شعرت بالحرارة. يفيض السائل، ويغمرني. أوقد النور فلا أبصر شيئا. أتلمس فلا أعثر على شيء23
من مادة: تنطق مِمَّادة حيث تدغم النون الساكنة في الميم، وكذلك في الكلمات:[ السائل– النور-] نلاحظ أن اللام قد أدغمت في السين فتنطق (اسَّائل)، وكذلك مع النون نقول (انّور).
ثانياً: المخالفة
تعريف المخالفة لغة: جاء في مقاييس اللغة:“ خلف الخاء واللام والفاء أصول ثلاثة: أحدها أن يجيء شيءٌ بعد شيء يقومُ مقامه والثاني خلاف قُدَّام والثالث التغير“ 24، فالمقصود هنا المعنى الثالث الذي هو التغيير، أي تغيير بنية الكلمة وذلك من خلال إبدال حرف بحرف آخر.
اصطلاحا: هي نقيض المماثلة وتقوم باللجوء إلى الأصوات المتماثلة والمتشابهة فتخالف فيما بينها بمخالفة أحدهما عن أصله، وذلك بزيادة الخلاف بينهما، فتسعى إلى تحقيق الانسجام وتسهيل النطق.
يعرفها رمضان عبد التواب بأنها الطريقة التي من خلالها “ يعمد إلى صوتين متماثلين تماماً في كلمة من الكلمات فيغير أحدهما إلى صوت آخر„25، فهي تسعى إلى تخفيض الخلافات بين الفونيمات كلما أمكن ذلك.26
وقد تطرق إليها القدامى في أبواب مختلفة ومسميات عديدة، ولم يكن هناك نظام يجمعها أو قالب يحدها، ولا مصطلح واحد لها“ لكن هذا لا يعني أنهم لم يعُوا دورها أو ينتبهوا إلى أهميتها، بل كانوا على وعي تام بها، وإن لم عرفوها كمصطلح فقد عرفوها كظاهرة صوتية تعرض للأصوات في السياق„27، ومن أمثلتها: حرجل أصل الكلمة حجَّل وجلمد أصله جمّد، وعنكب أصله عكّب وعرقب أصله عقّب قرمط قمّط فلطح فطّح28 وسماه القدامى كراهية التضعيف.
وقد تحدث سيبويه في الكتاب عن ذلك وذكر بعض نماذجها وكيف اُبدلت عن أصلها فقال تقصيتُ من القصة، تسريتُ تظنيتُ من تسررتُ وتظننتُ في باب سماه بــــــ( هذا باب ما شذ فأبدل مكان اللام الياء لكراهية التضعيف)29.
نماذج عن المخالفة
من الكلمات التي فيها مخالفة نذكر: [ قيراط – حيوان – حييان – دينار – أواصل – وواصل]
„. قررت اليوم، إن ربحت ثلاثة دينارات، أن اشترى موسى حلاقة„30
“ وكل الحيوانات، ليس لها سوى عينين، هي أيضاً تسير إلى الخلف، ولكن لا تنظر إلا إلى الأمام„31
„إنها مجردة من الإنسانية، وعلى استعداد تام لأن تصير سمكة أو كلبة، أو بغلة أو أي حيوان آخر„. 32
„الحصن الحصين. الروض العاطر.
– سلسلة ذهبية ثمانية عشر قيراطا.
– يا غزالة. يا غزالة اركبي معي السيارة„33
فكلمة قيراط أصلها قرراط وقرّاط ، ودينار جاءت من دنّار، „فالتجاور بين صوتين من مخرج واحد يؤدي إلى ثقل في النطق، في حين أن إبدال حرف بحرف آخر قريب منه في المخرج والصفات يؤدي إلى تسهيل اللفظ„34 ، لذا قاموا بالمخالفة وأبدلوا الحرف الأول ياءً. وكلما توالى صوتان وكانا ثقيلين يقلب أحدهما إلى صوت لين أو صوت شبيه بأصوات اللين (ن،ل) التي لا تتطلب جهدا عضليا كبيرا35. فيتحول الصوت الثاني إلى صوت لين طويل، ولم يقوموا هنا بالإدغام، بل استعانوا بالحرف اللين الذي لا يتطلب جهداً كبيراً.
الأمر نفسه مع كلمة حيوان التي انقلبت من حييان، فالحرف المكرر يقوم فيه اللسان بعمل مزدوج“ إذ يصعب على اللسان أن يرتفع ثم يعود إلى المكان نفسه في اللحظة نفسها لينطق الصوت ذاته مرة ثانية„36، فأٌبدلت الياء واواً، وهذه العملية „تهدف إلى تيسير جانب الدلالة عن طريق المخالفة بين الأصوات ولا تلقي بالاً إلى العامل النطقي الذي قد يتأثر نتيجة تباعد أو تخالف الصوتين„37، فقد يأتي التباعد بين الصوتين ما لا يأتيه الصوتين المتقاربين، سواء على المستوى النطقي أو المستوى الدلالي.
تأتي المخالفة إما تقدمية أو رجعية يؤثر الأول في الثاني أو يكون التأثير من الثاني على الأول، كما يحدث التأثير وفق كميات مختلفة، إما بالحذف أو بتقليص الصوت، ويكون الصوتان متصلين أو منفصلين.38 “ وهذا التطور هو إحدى نتائج نظرية السهولة التي نادى بها كثير من المحدثين والتي تشير إلى أن الإنسان في نطقه يميل إلى تلمس الأصوات السهلة التي لا تحتاج إلى جهد عضلي„39، ومن نماذجه أيضاً حركة جمع المؤنث السالم، إذ يكتب بالكسرة نيابة عن الفتحة المعلماتِ فأصل النصب الفتحة إلا أنه لما وجدت فتحة طويلة قبلها كرهوا من توالي الأمثال فخالفوا الحركة الثانية وتحولت إلى كسرة.
خلاصة:
– تمتاز اللغة العربية بالعديد من الظواهر اللغوية التي جعلتها تتكيف مع مختلف البيئات والحواضر وباقية لعدة قرون ولا تزال.
– يميل الإنسان العربي إلى الجنوح لليسر والسهولة أثناء نطقه، وهي ميزة ظهرت في لغته فكانت سهلة سلسة.
–كانت نصوص الطاهر وطار تتميز بلغة بديعة أحكم نسجها وحملت معانٍ كثيرة تعبر عن حالات مختلفة، حافظت على نظامها البديع وجمالها الأنيق.
– جاءت لغة الطاهر وطار لغة سهلة عذبة، انتقاها من كلام الناس وأحسن توظيفها وسبَكَها وفق ما تحمله من معان، فلم تكن صعبة بل كانت عادية مشحونة بأفكاره الاشتراكية.
– كان للانسجام دور في تغيير بنية النص وتغيير العديد من الكلمات كما رأينا سواء من خلال جعل الأصوات المتباعدة أصوتاً متقاربة، أو من خلال جعل الأصوات المكررة أصوتاً متباعدة.
– لقد كان للماثلة والمخالفة أثر في تشكيل النص، فأحدث ذلك تعديلات عديدة على المستوى النصي.
– المتذوق لنصوص الطاهر وطار يجد فيها بلاغة وحسن بيان، كيفها وفق القوانين العربية فأنتجت نصوصا جميلة.
قائمة المصادر والمراجع
– التطور اللغوي، رمضان عبد التواب، مكتبة الخانجي القاهرة 1997، ط3/.
– التغيرات الصوتية في التركيب، صلاح الدين سعيد حسين، بحث مقدم لنيل شهادة دكتوراه، جامعة تشرين سوريا 2009 .
– الصحاح، إسماعيل بن حماد الجوهري، تح أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت لبنان 1990، ط4/ ج5
– المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، مكتبة الشروق الدولية جمهورية مصر العربية ط4/2004..
– الممتع الكبير في التصريف، ابن عصفور الإشبيلي، تح: فخر الدين قباوة، مكتبة ناشرون لبنان 2010، ط8
– علم الأصوات النطقي، هادي نهر، عالم الكتب الحديث اربد الأردن ط1/2011.
– مقاييس اللغة، أبي الحسن أحمد بن فارس بن زكريا، تح عبد السلام محمد هارون، دار الفكر 1979، دط.
–الكتاب، أبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر، تح عبد السلام هارون، دار التاريخ بيروت لبنان.
–المدخل في علم الأصوات، صلاح حسين، مكتبة الآداب2006، دط دت .
–بحوث في اللسانيات الدرس العربي المماثلة والمخالفة، جيلالي بن يشو، دار الكتاب الحديث القاهرة مصر ط1/2007.
–دراسة الصوت اللغوي، أحمد مختار عمر، عالم الكتب القاهرة 2006، ط4/.
الزلزال، الطاهر وطار، الدار العربية للعلوم ناشرون المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية الرغاية الجزائر ط2 2015-
شرح الشافية، رضي الدين محمد بن الحسن الاستراباذي، دار الكتب العلمية بيروت لبنان، .1982
الشمعة والدهاليز، الطاهر وطار، الدار العربية للعلوم ناشرون المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية الرغاية الجزائر ط1 2012-
عرس بغل، الطاهر وطار، الدار العربية للعلوم ناشرون المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية الرغاية الجزائر ط1 2010-
اللاز، الطاهر وطار، الدار العربية للعلوم ناشرون المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية الرغاية الجزائر ط1 2012-
1– الصحاح، اسماعيل بن حماد الجوهري، تح أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت لبنان 1990، ط4/ ج5 ص 1816.
2– مقاييس اللغة، أبي الحسن أحمد بن فارس بن زكريا، تح عبد السلام محمد هارون، دار الفكر 1979، دط، ج5/ ص 296.
3– المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، مكتبة الشروق الدولية جمهورية مصر العربية ط4/2004. ص853.
4– التطور اللغوي، رمضان عبد التواب، مكتبة الخانجي القاهرة 1997، ط3/ ص 30.
5– يراجع، التطور اللغوي، رمضان عبد التواب، ص 30-31.
6 – المدخل في علم الأصوات، صلاح حسين، مكتبة الآداب2006، دط دت ص 128.
7– علم الأصوات النطقي، هادي نهر، عالم الكتب الحديث اربد الأردن ط1/2011، ص144.
8 – عرس بغل، الطاهر وطار، ص8.
9 – اللاز، الطاهر وطار، ص 93.
10 – الشمعة، الطاهر وطار، ص82.
11 – الشمعة، الطاهر وطار، ص 33.
12 – الشمعة، الطاهر وطار، ص 50.
13 – الشمعة، الطاهر وطار، ص 54.
14 – بحوث في اللسانيات الدرس العربي المماثلة والمخالفة، جيلالي بن يشو، دار الكتاب الحديث القاهرة مصر ط1/2007، ص133.
15 – الصحاح، الجوهري، ج5 ص 1920.
16– المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، مكتبة الشروق الدولية جمهورية مصر العربية ط4/2004. ص 288.
17– الممتع الكبير في التصريف، ابن عصفور الإشبيلي، تح: فخر الدين قباوة، مكتبة ناشرون لبنان 2010، ط8 ص 403.
18– التكملة والذيل، ص614.
19– يراجع شرح الشافية، رضي الدين محمد بن الحسن الاستراباذي، دار الكتب العلمية بيروت لبنان، 1982، ص235.
20– اللاز، الطاهر وطار، ص145.
21– الزلزال، الطاهر وطار، ص44.
22– الشمعة، الطاهر وطار، ص154.
23 – الزلزال، الطاهر وطار، ص 259.
24– مقاييس اللغة، أبي الحسن أحمد بن فارس بن زكريا، ج2 ص210.
25– التطور اللغوي، رمضان عبد التواب، ص 57.
26 – يراجع دراسة الصوت اللغوي، أحمد مختار عمر، عالم الكتب القاهرة 2006، ط4/ ص 378.
27 – بحوث في اللسانيات، جيلال بين يشو، ص 155.
28– يراجع دراسة الصوت، أحمد مختار عمر، ص 385.
29 – الكتاب، أبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر، تح عبد السلام هارون، دار التاريخ بيروت لبنان، ج4 ص318.
30– الزلزال، الطاهر وطار، ص67.
31– اللاز، الطاهر وطار، ص99.
32– عرس بغل، الطاهر وطار، ص32.
33– الزلزال ، الطاهر وطار، ص287.
34– التغيرات الصوتية في التركيب، صلاح الدين سعيد حسين، بحث مقدم لنيل شهادة دكتوراه، جامعة تشرين سوريا 2009، ص 25.
35– الأصوات اللغوية، إبراهيم أنيس، ص140.
36– أثر الانسجام 48
37– دراسة الصوت اللغوي، أحمد مختار عمر، ص 386.
38– بحوث في اللسانيات، جيلالي بن يشو، ص 173.
39– الأصوات اللغوية، إبراهيم أنيس، ص140.