Reading-competence between the educational field and the linguistic theory
الدكتور بن أحمد بن علي
أستاذ محاضر (أ)
المركز الجامعي أحمد زبانة غليزان
الأستاذة الدكتورة زيان ليلى
أستاذة التعليم العالي
المركز الجامعي أحمد زبانة غليزان
ملخص: هذه الورقة البحثية تبين أهمية القراءة و تأثيرها على العملية التعليمية من حيث إدراك التلاميذ للمحتوى المعرفي من خلال ربطه بالنظرية التعليمية اللسانية. إن عملية القراءة هي عملية معرفية بنائية يساهم فيها المتعلمُ نفسه بنشاط وفعالية، لذلك كان لزاما علينا تعزيز هذه المهارة اللغوية في الفصل الدراسي من خلال الأساليب السليمة والوسائل الناجعة.
Summary: This research paper shows the importance of reading and its impact on the educational process whence of students‘ perception of cognitive content by linking it to the linguistic educational theory. The act of reading is a constructive cognitive process in which the same learner contributes actively and effectively, so we have to enhance his language skill in the classroom through sound methods and effective means.
مقدمـة:
لقد مرَّ زمَنٌ على المسلمين سَطَّرُوا فيه أنقى الصفحات على مرِّ التاريخ، حيث إنهم قد عرفوا وأدركوا أنه لا سبيلَ للنهضة والتقدم في مجالات الحياة والعُمران دون الاهتمام بالقراءة ، فحملوا لذلك شعارَ„أمة اقرأ„، ولا غرابةَ في ذلك، فمفتاحُ دعوتنا “ اِقرأ “ ونورُ دربنا ﴿ن وَالقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ (سورة القلم: 1)، وأُمّةٌ تَفتح طريقَها بالقراءة وتستنير بخط العلم هي أمةٌ جديرةٌ بأن تتصدر الأمم؛ لأنها جَعلت القراءةَ منهجَها و سبيلَها إلى تحصيل العلم والمعرفة؛فالقراءةُ هي عنوان التحضر وبِه تُوزَن الأمةُ في وَعيِها وتماسُكِ بنيان مجتمعها.
إنَّ القراءةَ متعةٌ للنفس وغذاءٌ للروح وحمايةٌ للفرد من الأزمات النفسية والاجتماعية، وهي أُولَى المهارات الثلاث التي أَجمعَ المجتمعُ الإنساني على حق الفرد في تعلمها؛ إذْ إنَّ تَعلُّمَها هو عمليةُ نموٍّ مُتدرِّجة، تعتمد كلُّ خطوة فيها على الكفاية في المهارات الأساسية الأخرى كالاستماع والمحادثة والكتابة، ولذا ينبغي أن تكون هذه المهاراتُ مستمرةً ومتتابعةً لتحقيق أقصى نجاح ممكن، وهذا يعني بالدرجة الأولى أنه لا بُدَّ من التدريب المقصود والمنظَّم لمهارة القراءة من خلال طرائق تحصيلها.
القراءة السليمة الواعية تعين على الحفظ الجيد والفهم الصحيح، والبحثُ والكتابةُ تعززان مهارة القراءة، وهذا يفضي إلى النظر والتفكر في كل أمر من الأمور. إن القراءة المرتكزة على تعميق الفهم لَهي من أشق المهارات اللغوية؛ لكنها تعود بالفوائد الجمة على أصحابها، وتُورِّثهم حضور البديهة وثقوب الفكر وقوة الإقناع للآخر. قال أبو عمرو بن العلاء: « ما دخلتُ على رجل قطُّ، ولا مررت به فرأيته ينظر في دفتر وجليسُه فارغ اليد؛ إلا اعتقدتُ أنه أفضلُ منه وأعقل »1.
وللمعلم دور ٌكبيرُ في إكساب المتعلم هذه المهارات،إذ لا يتأتى له النجاحُ في مُهمَّته إلا إذا كان مُهيَّأً علميًّا وبيداغوجيًّا، وأن يكون مُطَّلعًا على النظريات في اللسانيات التعليمية، ومدركا لطبيعة اللغة ليحسن انتقاء المنهجية المناسبة التي تُيسِّر له سُبلَ التواصل الإيجابي مع المتعلم لتحقيق أكبر نسبة من التفاعل الإيجابي،و ترسيخ المفاهيم في أقصر مدة زمنية وبمجهود أقل .
ومن هذا المنطلق نقدم هذه الورقة البحثية في تبيان أهمية القراءة بنوعيها الجهرية والصامتة وأثرهما في العملية التعليمية من حيث إدراك التلميذ للمحتوى المعرفي من خلال ربطها بالنظرية اللسانية التعليمية.
أهمية القراءة في الإسلام
أول آية نزلت من القرآن الكريم تحث على فعل القراءة وذلك في قول الله تعالى في سورة العلق: ﴿اِقْرَأْ بِسْمِ رَبِّكَ الذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ ( الآية: 1-5). الآية الكريمة توضّح أهميةَ القراءة كمهارة أساسية من المهارات اللغوية، وعلاوةً على ذلك فهي تبين خصوصيةَ هذه المهارة بالإنسان دون باقي المخلوقات؛ ففعلُ القراءة هنا مُوجَّهٌ للإنسان والمتمثل في شخص النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء، والنبيُّ أُرسل للعالمين كافَّةً؛ فالقراءةُ فعل واجب ومطلوب على كلّ إنسان.
وكما أن الله عزوجل خصَّ الإنسانَ بالفضل والذكر من بين جُملة مخلوقاتِه، فكذلك خصَّه بفعل القراءة كمهارة أساسية دون باقي المهارات مثل مهارة الاستماع ومهارة المحادثة وغيرها. ونقول لماذا أعطى الله تعالى في أول كتابه العزيز أهميةً لهذا الفعل (مهارة القراءة)؛ لأنه في نظرنا يجمع بين المهارات اللغوية الأخرى لَدى الإنسان؛ فالقراءةُ لا تكون إلا بالاستماع فقط، ولا تكون إلا من خلال المحادثة وحَسْبُ، وإنما هي تَترسَّخُ بِتعلُّمِ الكتابة، ولهذا جاء تسلسل الآيات عجيبا؛ حيث يُحيلنا بعد ذلك على أهمية الكتابة المرتبطة ارتباطا وثيقا بفعل القراءة؛ حيث يقول الله تعالى: ﴿ الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ ﴾، فكما لا يكون بحالٍ التعليمُ إلا بالكتابة بواسطة القلم؛ فكذلك لا يمكن أن يكون التعليم إلا بالقراءة التي تتصل اتصالا متينا بكل المهارات الأخرى.
ثم قال الله عز وجل: ﴿ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾، فهذه الآية تفخيم وتعظيم لخلق الإنسان، وأيضا دلالةٌ على بديع فطرته وقدرته سبحانه2. والتأمل والتفكر في هذه القدرة الربانية لا يتأتى إلا بالعلم والمعرفة، والمعرفة لا تحصل إلا من خلال القراءة، ولهذا تصدَّر هذا الفعل ( اقْرَأْ ) سورة العلق.
وهذا الفعل (اقْرأ) جاء متعلقا باسم الرب سبحانه (بسْمِ رَبِّك)؛ وذلك ليُحيلنا على جميل عنايته سبحانه وعلى حسن تربيته تعالى للإنسان، ولهذا جاء بعد ذلك في سياق الآية: (خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ).
فأول فعل تعليمي في الإسلام كان فعل القراءة والإلحاح عليه؛ فالمعلم هو جبريل عليه السلام، والمتعلم هو النبي صلى الله عليه وسلم، والمحتوى المعرفي هو القرآن من خلال هذه الآيات التي تحُثُّ على القراءة والعلم. ولهذا جاء التأكيد من خلال تكرار الفعل (اقرأ) في قوله تعالى: ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ ﴾.
قال الله تعالى: ﴿ الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ ﴾ المراد هنا من ذكر القلم هو الكتابة التي تُعرف بها الأمور الغائبة، وجعل القلم كنايةً عنها، والمراد أيضا أنه علَّم الإنسانَ الكتابة3. يُروى أن سليمان عليه السلام سأل عفريتا عن الكلام، فقال: ريحٌ لا يبقى، قال: فما قيدُه، قال: الكتابة4.
ولهذا كان لزاما في الميدان التعليمي في المدرسة أن تكون هذه الآياتُ (اقرأ بسم ربك…) أوّلَ درسٍ نُلقيه على التلاميذ ونُعلِّمه إياهم، وذلك لكي نُرسِّخ في ناشئتنا أهمية القراءة و نُحبِّب إليهم فِعْلَها ومُزاولتَها.
تعريف القراءة:
القراءةعملية ذهنية سلوكية معرفية تقوم على تفكيك رموز تسمى حروفا لتكوين معنى، وغايتُها الوصولُ إلى مرحلة فهم وإدراك المحتوى المقروء، وهي جزء لا يتجزأ من اللغة التي هي وسيلة مهمة لأجل التواصل والإبلاغ والتفاهم، وتتمثل في عمليات متنوعة هي5:
-
عملية تعرف الحروف وتجميعها.
-
عملية تلفظ نص مكتوب بصوت مسموع.
-
عملية متابعة بواسطة البصر لنص مكتوب قصد التقاط محتواه.
-
نشاط الذكاء؛ فالفهم واستخراج الدلالة يستدعيان إدراك العلاقات والخطة عن طريق خلق التناسقات بينها؛ والعمليات التي يقوم عليها الإدراك في فعل القراءة وهي:6
-
يحدد القارئ الكلمة بناء على مؤشرات تختلف من قارئ إلى آخر
-
يقوم إدراك الكلمة على فحص محيطها؛ أي الكلمات الأخرى المحيطة التي تدخل في علاقات معها؛ وبالتالي تتدخل في عملية القراءة ثلاثة عوامل هي:
-
إطار الفهم، ويشمل خزان الأشكال والتراكيب المكتسبة والمبرمجة في ذهن المتعلم.
-
الاحتمالات التي يرتقبها القارئ، والتي تشكل فرضيات.
-
عمليات التذكر التي تحرك المخزون وتمكن من استيعاب معطيات جديدة على ضوء علامات لسانية سابقة.
-
يقوم القارئ بنوع من تدبير المؤشرات التي تمكنه من تأويل الجمل، ويقوم هذا التدبير على أربعة مؤشرات تساعد القارئ على القيام بتاويل مايقرأه، وهي7:
-
المدخل الصوتي
-
المدخل المورفولوجي: ( بناء الفعل للمجهول أو المعلوم) والتركيز على بعض الكلمات دون غيرها.
-
المدخل النحوي كترتيب الكلمات: فعل، اسم…( البداية بالفعل في العربية ).
-
المدخل المعجمي، بالأخص البنود المعجمية مثل متحرك– جامد.
إنّ فعل القراءة عملية بناء تساهم فيها ذات المتعلم بنشاط وفعالية، وعلى اعتبار أن فعل القراءة ليس خطيا مستمرا؛ بل هو جملة أفعال التركيز والتتابع والفحص لنقاط مختلفة على سطح النص. لأجل ذلك فإنّ تعليم القراءة تشترط اعتبار البنيات والمعلومات السابقة التي يتوفر عليها القارئ، والتي تمكنه من فحص العلامات وتأويلها وإدماجها. ويتأكد من جهة أخرى أنّ البنيات اللّسانية النحوية ليست كافية وحدها للوصول إلى تعليم القراءة؛ بل إنّ هناك عناصر ومكوّنات أخرى تتدخل مثل: العلاقات السياقية ونوايا القارئ وأهدافه والتوزيع المادي للكلمات داخل الملفوظ، مما يستدعي الاستفادة مما تمدنا به حقول معرفية غير النحو والصرف مثل لسانيات النص، والتداولية والدراسات السيكولسانية.8
إن القراءةَ فعلٌ فيزيولوجي وذهني في الوقت نفسه ، ويتمثل في:القدرة على التعرف على المكتوب والنطق سرا أو جهرا به بصورة سليمة، وربط الأصوات المنطوقة بالافكار الخاصة بها.وبصورة إجمالية؛ القراءةُهي ربطُ الأصوات والأفكار بالعلامات الخطية المكتوبة، بمجرد مايقع بصر المتعلم على هذه العلامات.
أنواع القراءة:
-
القراءة الجهرية:
قراءة تتم بصوت مسموع يتطلب التقاط الرموز ونطقها، وهو يحد من سرعة الانتقال بين أجزاء الكلام، ويحتم تتبع كل تمفصلات الكلام، مما يطبع القراءة بالخاصية الخطية9. وهي أيضا عملية مركبة تحتاج إلى التلفظ الصحيح والمعبِّر، وإدراك المعنى والمحتوى؛ والتعود على التركيب بين حركة العين واللسان وحاسة السمع10.
-
القراءة الصامتة:
قراءة فاحصة دون نطق كلماته جهرا والتلفظ بها؛ وهي نوع من القراءة البصرية التي يلتقط فيها المتعلم مؤشرات؛ تمكنه من فهم النص فهما شاملا أو فهم أجزاء منه، وتوظف هذه القراءة في عدة وضعيات منها11:
-
في عملية التقاط المعنى الاجمالي للنص، حيث تكون القراءة الصامتة مسحا للنص ككل.
-
في عملية التقاط بؤر من النص عندما يسعى المتعلم إاى فحص أجزاء من النص.
-
في عملية اختيار أجوبة وإنجازات أو تأويلات، حيث تكون القراءة الصامتة فحصا لمدى صلاحية المقترحات المقدّمة.
القراءة في منظور اللسانيات التعليمية:
إن الاهتمام بالقراءة ولاسيما القراءة الجهرية والقراءة الصامتة في مجال تعليم اللغات بات أمر ضروري لتزويد المتعلم بمجموع الكفايات و المهارات التي تجعله قادرا على الإنتاج والإبداع، وتطوير مختلف القدرات التي تجعل منه فردا نشطا وفعالا في المجتمع؛ ولايكون هذا إلا بوجود مرتكز علمي معرفي يوفر الدعم المرجعي لكل ضرب من أضرب الخطاب التعليمي والبيداغوجي.
ومن ثم فإن تعليمية اللغات، بوصفها ممارسة بيداغوجية غايتها تأهيل المتعلم لاكتساب المهارات اللغوية، لا يستقيم لها أمر إلا إذا ارتكزت على الحصيلة العلمية للنظرية اللسانية التي تسعى في جوهرها إلى إيجاد التفسير العلمي الكافي لكثير من العوائق التي تعوق الممارسة الفعلية للحدث اللغوي.
إن تعليمية اللغات من حيث إنها وسيلة إجرائية لترقية قدرات المتعلم لاكتساب المهارات اللغوية، سوف تعزز منهجيا وعلميا، عندما تستثمر النتائج العلمية المحققة في ميدان البحث اللساني، استثمارا واعيا، مما يؤدي بالضرورة إلى تحقيق أهداف العملية التعليمية وتيسير سبلها في مجال تعليم اللغة الأم واللغات الأجنبية على حد سواء.
ومن ههنا فإن أستاذ اللغة ملزم بأن يتلقى تكوينا قاعديا في اللسانيات، ويكون على دراية ببعض النظريات والمفاهيم والاصطلاحات والإجراءات التطبيقية، لذلك فإنّ اكتسابَه لهذه المعرفة سيسعفه على وضع تصور شامل لبنية النظام اللغوي الذي هو بشأن تعليمه، وستنعكس هذه المعرفة بالإيجاب على إدراكه العميق لحقيقة الظاهرة اللغوية، فيؤثر هذا كلّه في منهجية تعليم اللغة وفق الأرضية النظرية التي يوفّرها تطوّر البحث اللساني الذي بإمكانه أن يقدّم التفسير العلمي الكافي لكل المظاهر التي لها علاقة بتعليم اللغة وتعلمها.12
ومن هنا فإن اعتماد القراءة بنوعيها الجهرية والصامتة في العملية التعليمية لا بد أن يرتكز على أسس لسانية لبلوغ الغاية والأهداف المتوخاة؛ إذ لابد أن يتبع معلم اللغة المراحل التالية:
-
قراءة النص قراءة جهرية من قبل معلم اللّغة يحقق فيها الصوت اللغوي من حيث المخرج والصفة بحيث لا تكون نبرة الصوت عالية ولا منخفضة، تُراعى فيها التنغيم الذي هو جزء مُهم من لغة الخطاب.
-
شرح الكلمات المبهمة والغريبة في النص المقروء.
-
إعادة قراءة النص قراءة جهرية سليمة تراعى فيها قواعد اللغة من حيث ضبط أواخر الكلمات؛ قصد تعويد المتعلم قواعد اللغة من خلال الاستماع للنص المقروء.
-
قراءة النص قراءة جهرية من قبل التلميذ لمعرفة مدى قدرته لقراءة النص المقروء ؛ والغرض منه التصحيح والتقويم.
-
قراءة النص قراءة صامتة من قبل التلاميذ؛ وهذه القراءة بعد المراحل التي سبقت تكون فاحصة ، تمكن التلميذ من فهم النص، والوصول إلى استخراج أفكاره الأساسية .
القراءة وعلاقتها بالمحفوظ:
يقول ابن خلدون: «وعلى قدر المحفوظ وكثرة الاستعمال تكون جودةُ المقُول المصنوع نظما ونثرًا »13. ويقول في موضع آخر: « وتَعلَمُ مما قرَّرناه في هذا الباب أنَّ حصول ملكة اللسان العربي إنما هو بكثرة الحفظ من كلام العرب حتى يرتسم في خياله المنوال الذي نسجوا عليه تراكيبهم فينسج هو عليه ويتنزل بذلك منزلةَ من نشأ معهم وخالط عباراتهم هي كلامهم حتى حصلت له هذه الملكةُ المستقرِّةُ هي العبارة عن المقاصد على نحو كلامهم»14.
إنَّ حُسنَ فهم المنطوق من حسن القراءة، وهذه القراءةُ لا تكون جيِّدةً وحسنةً إلا بسلامة النطق (صوتاً، ومقطعا، وكلمةً، وتركيباً)، وهذا لا يتأتى إلا بإجادة نطق الحروف العربية من حيث مخارجُها وقيمُها أحكامُها الصوتية. ومن هنا تبرز أهميةُ تدريس قواعد تلاوة القرآن، وعلى رأسها باب مخارج الحروف العربية وصفاتها.
ونقول أيضا إنَّ قوةَ الفهم وجودتَه مِن قوة الحفظ وجودته، وأَجْودُ الحفظ في العربية هو حفظُ القرآن الكريم، ويليه في المحفوظ جيد الشعر من كلام العرب.
ولذلكم لا بد أن لا نُغفِل نظرية المثالية(idealism)في كيفية التعامل مع فهم المنطوق في الخطاب التعليمي، لأن فهم المنطوق لا يكون إلا من خلال إنتاج جيد للمنطوق، وفهم سليم للمنطوق. والإنتاج الجيد والفهم الجيد لا يتأتيان إلا بالحفظ الجيد والقراءة السليمة.
وفكرةُ المثالية ليست بِدعاً هنا على مستوى النظرية؛ بل هي مستوحاة من نظرية تشومسكي الذي اقترح صفة المثالية (idealité) في كيفية التعامل مع اللغة أثناء دراستها؛ حيث يقول: « إن النظرية اللسانية تعنى في المقام الأول بمتكلم– مستمع مثالي (ideal speaker-listener) في مجتمع لغوي متجانس تماما؛ حيث يعرف هذا الشخص لغةَ ذلك المجتمع معرفة جيدة، ويكون غير مصاب بهذه الحالات النحوية غير الملائمة مثل قصور الذاكرة، والاضطراب العقلي، وعدم الانتباه والاهتمام، والأخطاء العفوية والمميِّزة، وذلك عند تطبيق معرفته اللغوية في كل أداء فعلي »15.
وتشومسكي عندما يطرح فكرة الكفاءة اللغوية والأداء اللغوي؛ فهو يعني بها نَشْدَ صفةِ المثالية على مستوى إنتاج الخطاب (إنتاج اللغة)، وأيضا المثالية على مستوى فهم الخطاب. وهذه المثالية لا تكون إلا بجيد المحفوظ وسلامة القراءة كما ذكرنا آنفاً.
وتتطور مهارة الفهم عند التلميذ عندما تتطور لديه مهارة القراءة، ولا بد أن يتناسب ويتلاءم محتوى المقروء مع معرفة التلميذ وثقافته16. ففهم منطوق الخطاب يرتكز على تعلُّم جيد للقراءة التي ترتكز على مَلَكات معرفية ولغوية واجتماعية، تكون راسخة منذ سن مبكرة من مراحل التعليم.
هناك علاقة جدلية تلازمية بين مهارة القراءة ومهارة الفهم، فالتلميذ لا يستطيع فهمَ منطوق الخطاب إذا هو لم يُحسن قراءتَه؛ ولأن هدفَ القراءة المنشود لكل نص أو خطاب هو تحقُّقُ فهم المنطوق. والفهم ما هو إلا بناء معرفي لمجموعة من القواعد اللغوية المتعلقة بالمفردات والصيغ والتراكيب. والتلاميذ الذين لهم رصيد مفرداتي مُتَّسعٌ ومُتنامٍ يحققون نجاحا في فهم النص، وهذا الرصيد المفرداتي لا يكون بحالٍ إلا من خلال كثرة المحفوظ الجيد لفصيح الكلام العربي شعراً ونثراً.
المصادر والمراجع:
-
التفسير الكبير: فخر الدين الرازي.دار الفكر.ط1. بيروت. 1981.
-
الحيوان: الجاحظ. الناشر مصطفى البابي الحلبي.
-
دراسات في اللسانيات التطبيقية: أحمد حساني. ديوان المطبوعات الجامعية. ط2.الجزائر. 2009.
-
اللسانيات النشأة والتطور: أحمد مومن. ديوان المطبوعات الجامعية. 2007.
-
محاضرات في اللسانيات التطبيقية. نواري سعودي أبوزيد. ص88. بيت الحكمة. ط1. العلمة الجزائر.2012.
-
المقدمة: ابن خلدون. دار القلم. بيروت لبنان.
-
المنهل التربوي معجم موسوعي في المصطلحات والمفاهيم البيداغوجية والديداكتيكية والسيكولوجية: أ. عبد الكريم غريب. منشورات عالم التربية. ط1. الدار البيضاء. 2006.
-
CHOMSKY, Noam (1965): Aspects of Theory of Syntax. Mouton.
-
L’apprentissage de la lecture à l’école primaire. Rapport- n° 2005-123 novembre 2005.
1 الحيوان: الجاحظ.الناشر مصطفى البابي الحلبي. 1/60.
2ينظر: التفسير الكبير: فخر الدين الرازي. 32/15.
3تفسير الرازي: 32/17.
4المصدر نفسه:32/17.
5المنهل التربوي معجم موسوعي في المصطلحات والمفاهيم البيداغوجية والديداكتيكية والسيكولوجية: أ. عبد الكريم غريب. 1ـ/562.
6المرجع نفسه:1/562.
7المرجع نفسه:1/562.
8المنهل التربوي معجم موسوعي: 1/563.
9ينظر: محاضرات في اللسانيات التطبيقية. نواري سعودي أبوزيد. ص88.
10المنهل التربوي معجم موسوعي: 1/564.
11المنهل التربوي: 1/565.
12 دراسات في اللسانيات التطبيقية:أحمد حساني. ص142.
13 المقدمة: ابن خلدون. ص 559.
14 المقدمة: ص 561.
15Noam Chomsky : Aspects of Theory of Syntax. Mouton. 1965. P 3.اللسانيات النشأة والتطور: أحمد مومن. ص 210.
16Regardez .L’apprentissage de la lecture à l’école primaire. Rapport- n° 2005-123 novembre 2005. P19.